2- يا كثير الزَّلل، يا دَنِس الجَيْب، تَسْتَتر من الخلق وتنسى عالم الغيب؟! أَفِي عماية شك أم في عيابة عيب[1]؟! أتَعِيب غيرك وأنت في عيب؟!
3- يا هذا إذا عزمت فبادِر؛ فثبوت العزيمة نادِر، احذرْ من التواني؛ فكم ضر التمادي.
4- كأنَّك بالعمر قد تولى، وبالمرض قد تولى، وبالسمع والبصر قد كلَّا، وبملك الموت قد تجلَّى، وأصبح الدمع على التفريط منهلًّا، وأعرض عنك مَن كان خلًّا وخلَّى، وأنت على فراش الأسف تتقلَّى، تقول : ربِّ ارجعون؛ فيقال: كلَّا، ويصيح بك العقل هلَّا قبِلت نُصْحي هلَّا، إذا كان ذا قبل ذا إلَّا.
5- يا معشر العصاة، أين لذَّاتكم؟! ذهبت وارتهنت ذواتكم، تفكَّروا في سرعة انقضاء الشهوة، وطول العذاب عليها؛ لعل الفكرة تصير سِكْرًا[2] في وجه ماء الهوى، والعاقل لا يغبن، غدًا يشمت بكم إبليس وأنتم في جواره في النار، ï´؟ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ï´¾ [إبراهيم: 22]، واللهِ إن أعظم الحسرات شماتةُ الأعداء.
6- المحبة عروس، نقدُها النفوس.
7- يا مَن قد كثُرَتْ ذنوبه، وثقُلَتْ ديونه، كل يوم يمضي عليك، وما تذكر ما بين يديك، كم تتوب وتنقض، وكم تعاهد وتغدر، غدًا تغدو إلى قبرك، والوِزْر على أزرك، وقد أخذ ما بخلتَ به الوارث، وتصرَّف فيك البلاء العابث.
8- يا مَن يحضر المواعظ سنةً بعد سنة، وهو يتقلَّب في الغفلة مِن نوم إلى سِنَة، كأن الزواجر تُغرِيك بالذنوب! وكأن قلبك مِن غير جنس القلوب!
9- إخواني، شوِّقتم بما رغبتم، وخوِّفتم بما رهبتم، ودُللتم على كنوز الغنى فما طلَبتم.
10- يا مَن لا يفهم العتاب، يا مَن لا يحذر الحساب، أمَا أنت بعد قليل تراب؟! أمَا يشهد عليك الجلد والكتاب؟!
11- يا صبيانَ التوبة، زرعُكم غضٌّ ينفق، فاحفَظوه من آفات الثمر، أقيموا نواطير الحذر، لينفرَ طير العُجب المفسد.
12- يا مَن يتخاشع بلا خشوع، ويتباكى بلا دموع، يُصلِّي ليقال عنه عابد، ويتخاشع ليقال عنه زاهد، يلبس أثواب العبَّاد ليلبس، ويتشبه بمن لبس منهم وينمس[3]، مغرفة المناقشة تخرج ما في القدور، إذا حصِّل ما في الصدور.
13- يا مَن دستوره كله ذنوب، يا عيبة مملوءة بالعيوب، أعلِم هذه الجاهلة أنها من[4]مصالحها ذاهلة، أنها بعد أيام راحلة، لا زادَ لها ولا راحِلة.
14- احتوَتِ الدنيا على لذَّةٍ وذلَّة، فوقع الزاهدُ بلذَّة القناعة، والراغب بذلَّة الحرص، فنُجِّي الزاهد من تدقيق السؤال يوم المآب، ووقع الراغبُ في شدائد الحساب.
15- يا مَن قلبه كله مع الدنيا، أعِرْ طرفَك الآخرة ساعة، أحكمت أمر المصيف في الشتاء، وأمر الشتاء في المصيف،وحصلت في الشباب ما تنفقه في الكِبَر، وما بعثت إلى دار الإقامة حبة،جهزت البنات وزوَّجت البنين، وما استفضلت لسفرك كفًّا مِن زاد.
16- كم ممن ذهب عمرُه ودينه في جمع الذَّهَب، فبقي المال للوارث والحادث ذَهَب، كان دائم الحركات في عمارة ما يَسْكُن وما يُسْكَن، يبخل على نفسه بالنفقةِ يُخرِجُها، ويمسك الزكاة فلا يخرجها، سلِمَتْ له البضائع فأهلكَتْه، وتركها تركة ما تركَتْه، فصار بين الناس بشحه مُثْلَة [5]، وستكون أيها البخيل مِثْلَه.
17- النظرة حبة في فخ، تناوله مستلذٌّ وعاقبتها الذبح، النظرة شرارة، فإن لم تتلافَ احتَرَقت البلد، أول محنة المحبة النظرُ، فمثلها كحبَّة زرعت، فإذا عاودت النظر كان سقيًا لها، فإذا عادت تمكَّنت عروقها وفرعت؛ فامتلأ القلب بصورة المحبوب، وكَعْبَةُ التوحيد لا ترضى بمصاحبة الأصنام، فاحصدْ منها ما قد نبَت، فإن تركتها امتنعت عن القطع وثبَت.
18- يا مَن قد ذهب عمره بالبطالة، ورضي من الأحوال بأقبح حالة، معمور الظاهر والباطنُ منهدم، نقي الثياب والقلب مظلم.
19- يا معشر المذنبين، باب القَبول مفتوح، وعلم الوصال يلوح.
21- يا مَن يريد، الراحة لا تُنال إلا بالتعب، العلم لا يحصل إلا بالنَّصَب، وعاقبة الصبر الجميل حميدة، سفَرُ المحبةِ كله عِقَاب، وبحر المجاهدة جميعه مِلْح، وصحراء السلوك كلها سِباع، فمَن صابر المشتاق[6] نال المطلوب.
22- رحِم الله عبدًا عجَّل الأوبة، وبادَر التوبة، قبل أن يرى العذاب قد أتى، ï´؟ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا ï´¾ [الزمر: 56].
23- يا مَن يذنب ولا يتوب، يا مَن قد أعمت قلبَه الذنوب، تَعِدُ بالتوبة ولكنْ وَعْد عُرْقُوب.
24- يا ضالًّا في طريقه، صوِّت في الدجى لعل رفقة تستصحبك، آهٍ لمطرود كلما تقرب أبعدوه، وكلما دنا من الخدمة طردوه.
27- يا منكبًّا على الطريق، منكبًّا على ما لا يليق، لا يزعجه التخويف، ولا يحركه التشويق، يُؤثِر الكسل ويتعلل بالتوفيق، لو نفع هذا أحدًا مِن العالم، ما أُخرِج مِن الجنة أبوك آدم.
28- إخواني، معاملةُ الحق سبحانه بالقلوب؛ فلا تبهرجوا فإنه يعلم الغيوب.
29- مَن لم يضع قواعد التوبة على صخر العزائم بلا ضجر، لم يرتفع بنيانه.
30- إذا نزلتِ المحبة في القلب، ثبَت جنودها في رستاق البدن، فنحلَتْه النجول[8].
31- ما زالَتْ نيران المحبة تشتعل في قلوب المحبين، حتى صارت الأبدان سلًّا.
32- في مجلسي بحمد الله كلُّ فن، إذا سمِع وَعْظِي العاصي أنَّ، والحزين رن،
والمشتاق حن، والآيس اطمأن.