.فوائد
تربوية من كرة القدم
قد لا يكون للإنسان رغبة في القيام بعملٍ ما، ولكن هذا لا يمنعه أن يكون قادرًا عل استنباط فوائده؛ فبالرغم من أنِّي لست من هواة كرة القدم، ولا من عشَّاقها، إلا أنِّي في جلسة تدبُّر وتأمل لمباراة (كرة قدم)، استَلَلْت من مشاهدتها بعض "المعانِي التربوية التي تهم المسلم".
هدف..
يسعى الرياضيون إلى تحقيق غاية معينة خلال أشواط المباراة، ألا وهي إدخال الكرة في مرمى الفريق الآخر، ولولا وجود المرمى (الهدف) في هذه اللعبة لما استقامت.
فلا بدَّ لأي إنسان -مهما كان- من هدف يتَّجه نحوَه، ويبذل المستحيل لتحقيقه، إلا أن هناك بعض الأهداف تكون نبيلة، كالدعوة إلى الخير، ونشر العلم النافع، والإصلاح بين الناس وغيرها، وأيضًا هناك أهداف وضيعة.. فهل يا تُرَى اتضح هدفنا، وحددناه وسعينا إلى تحقيقه، كحال المتسابقين في الملعب أم لا؟
نعم إن هناك هدفًا كبيرًا للإنسان في هذه الحياة، وهو تحقيق الغاية التي من أجلها خُلِق الإنسان {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وطلب مرضاة الله سبحانه، لكن هناك أهدافًا فرعية لكل مسلم، ينبغي أن يتفكر فيها مع نفسه، هل حدَّدها؟ وإذا حدَّدها، هل سعى إلى تحقيقها؟
"إن من أسباب تعاسة بعض الناس في هذا الزمان، أنهم يعيشون بلا هدف منشود، وإذا وجد فلا طُموح في تحقيقه".
تعاون..
وبمزيدٍ من التأمُّل في حال الفريق، الذي يسعى إلى (هدف)، فإنَّ مبدأ (التعاون) يُعَدُّ من أركان هذه اللعبة؛ تعاون اللاعب مع الفريق، وتعاون الفريق معه، إنَّ التعاون من أكبر أسباب النجاح، فلا بدَّ لأي مشروع -مهما صَغُر- من فئة تعين بعضها بعضًا، وأي مشروع خلا من روح التعاون فهو خداع إلا ما قلَّ، وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].
إنَّها دعوة للأفراد والمؤسسات إلى إشاعة مبدأ التعاون وتطبيقه على أرض الواقع، ففيه نجاح للأعمال، ونشر للمحبة، والثقة، والإحساس بالمسئولية بين الأفراد.
مشاركة..
(الهدف) في مباراة كرة
القدم لا يصنعه واحد، بل سلسلة من اللاعبين، فقد يتصوَّر البعض أن الذى حقَّق الهدف واحد هو الذي أدخل الكرة في المرمى، والحقيقة أن الذي حقَّق الهدف هو تسلسل عدد من الأفعال الناجحة لمجموعة كبيرة من الفريق.
إنَّ بعض أعمال الخير مثل المشاريع الدعوية الناجحة وغيرها إنَّما تحققت بجهد كبير من ثُلَّة متعاونة، سعت في تحقيق هذا الهدف، فمثلًا لإقامة "محاضرة دينية"، يجب أن يشترك المنسق للمحاضرة، والمقدِّم، والمعلنون عنها، والمُعِدُّون لمكان إقامتها، والمحاضر نفسه، فكل واحد منهم له سهم في إقامتها.
قد لا يظهر إلا فرد واحد نجح في أداء العمل، ولكن من المهمِّ أن يسعى الأفراد إلى إقامة الخير، وتحقيق الهدف، بغضِّ النظر عمن ظهر أنه المباشر، فلا دخل لحظوظ النفس هنا، بل يجب ألا ينسى الفريق أن كل عمل خيري أو مشروع دعوي له صُنَّاع من الجنود المجهولين، الذي ينبغي أن يُعرف فضلهم وأن يُشاد بهم.
تشجيع..
لو لم يكن في الملعب مشجعون، لَمَا كان أداء اللاعبين جيدًا، بل قد يكون كثرة المشجعين من أسباب فوز الفريق، فلِمَ لا يشجع الناس بعضهم بعضًا، لِمَ لا يشجعون الإبداع والتفوق والنجاح؟ لماذا لا يتمُّ تشجيعهم، وحثُّهم على المزيد، وشدُّ أَزْرِهم ولو بكلمة ثناء أو شكر؟.
إنَّ المسلم مطالَب بألا ينظر إلى كلام الناس ومديحهم، فهو يعمل لله، هذا من جهة العامل، أما من جهة الناس فهم مطالَبون بتشجيع أهل الخير والعاملين وغيرهم ممن لهم أعمال خيرية -ولو صغرت- ومؤازرتهم، بل ونصحهم، وهذا من التشجيع والتعاون على البرِّ والتقوى.
تعصّب..
إن مما يُعاب على بعض الناس في هذه اللعبة، هو التعصُّب المقيت للفريق الذي يشجِّعه الشخص، فتجده يوالِي ويعادي من أجله، بل قد يعتدي على غيره إما بالضرب أو السبِّ أو الاستهزاء، بسبب تشجيعه لفريق مختلف عن الآخرين، ويجب على الساعي نحو هدفه المتعاون مع غيره ألا يتعصب لشخص، أو رأي، أو بلد، أو مؤسسة، أو حزب معين، بل يعمل بالحقِّ الذي يراه حقًّا دون تعصب، فيقبل وجهات النظر الأخرى التي تخالفه، بأن يسمعها ويحاورها بعيدًا عن التشنج والإقصاء والتجريح.
فمن المؤسف أن بعض الآراء والأطروحات والأفكار وغيرها، قد تكون في مضمونها "حقًّا"، لكن الناس ينفرون منها بسبب التعصب المقيت الذى يَحوم حولها.
هذه دعوة لك أخي القارئ لوضع (هدف عام) لك في حياتك ككلّ، وأهداف خاصة بك، هدف "تتعاون" في إنجازه مع غيرك، وهدف "يشاركك" غيرك في تحقيقه، أن تسلك سبل (تشجيع) غيرك على الوصول لأهدافهم، نابِذًا "التعصب المقيت" الذي قد يؤدي بك إلى الفتن والبغضاء والألم..