قد تجد الخير في غير الذي كنت تحسبه..
تجميد العقل على فكرة واحدة قد يصاحبه ضياع
وتنويع الأفكار والتجربة تكشف لك من الخير مالم تكن تعلم..
فقط فكّر فإذا عزمت فتوكل على الله ،
واجعل قدوتك الصحابي الجليل (عقبة بن عامر الجهني) رضي الله عنه وأرضاه
عقبة بـن عامرٍ الجُهني لم يَشهد موكبَ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه عندما وصل إلى المدينة.
ولم يَسعد باستقبالِه مع المُستقبلين.
ذلك، لأنه كان قد خَرجَ إلى البوادِي بغنيماتٍ له، ليرعاها هناك،
بعد أن اشتدَّ عليها السغبُ الجوع - وخاف عليها الهلاك، وهي كل ما يَملك من حُطام الدنيا
قال عقبة: قدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا في غنيمة لي أرعاها،
فما إن بلغني خبرُ قدومه حتى تركتها ومضيتُ إليه لا ألوي على شيء
فلما لقيته قلت: تبايعني يا رسول الله؟
قال: ( فمن أنت )
قلت: عقبة بن عامرٍ الجهني،
قال: ( أيما أحبُّ إليك: تبايعني بيعة أعرابية أو بيعة هجرةٍ؟ )
قلت: بل بيعة هجرةٍ،
فبايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بايعَ المهاجرين،
وأقمتُ معه ليلةً ثم مضيتُ إلى غنمي. وكنا اثني عشرَ رجلاً ممن أسلموا نقيمُ بعيداً عن المدينة لنرعى أغنامَنا في بَواديها.
الصحبة الصالحة
عن المدينة لنرعى أغنامَنا في بَواديها.
فقال بعضُنا لبعضٍ: لا خيرَ فينا إذا نحنُ لم نقدمْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعدَ يومٍ، ليفقهنا في ديننا،
ويُسمعنا ما ينزل عليه من وحي السماء، فليمضِ كل يومٍ واحدٌ منا إلى يثرِبَ
وليترُك غنمه لنا فنرعاها له.
فقلت: اذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً بعد آخر
وليَترُك لي الذاهبُ غنمه؛ لأني كنتُ شديد الإشفاق على غنيمتي من أن أتركها لأحد.
اللحظة الحاسمة واتخاذ القرار
يكمل عقبه فيقول: ثم طفقَ أصحابي يَغدو الواحدُ منهم بعد الآخر على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ويتـركُ لي غنمه أرعاها له،
فإذا جاء، أخذتُ منهُ ما سمع، وتلقيت عنه ما فقه،
لكنني ما لبثتُ أن رجعتُ إلى نفسي وقلتُ:
ويحَك! أمِن أجل غنيماتٍ لا تسمن ولا تغني تفوتُ على نفسك صُحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
والأخذ عنه مشافهةً من غيرِ واسطة؟!
ثم تخليتُ عن غنيماتي، ومضيتُ إلى المدينة لأقيمَ في المسجد بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان قراره رضي الله عنه قرار شجاع وحازم تخلى عن فكرة لأجل فكرة أخرى
فمازال يصاحب رسول الله ويقود له بغلته وأحيانا يركب خلفه
حتى سمي رضي الله عنه (رديف رسول الله)
من رعي الغنم إلى عالم كبير ومجاهد عظيم
شُغِف بالعلم فكانت مدرسة رسول الله خير مدرسة وأفضلها
يشرب من مناهلها العذبة حتى غدا مقرئا وفقيها وعالما بالمواريث وشاعرا
وكان إلى جانب العلم شغوف بالجهاد حتى أنه حفظ جميع أحاديث الجهاد وعلمها للناس..
وكان يتعلم الرمي وأنه دأبَ على حذقِ الرِّماية حتى إنه إذا أراد أن يتلهى تلهَّى بالرَّمي.
وشهد أحد وكان في جيش دمشق و أبلى بلاء حسنا فأرسله أبو عبيدة الجراح
ليبشر عمر بن الخطاب بفتح دمشق فكان هو من بشر عمر الفاروق رضي الله عنهم وأرضاهم ،
وكان ممن شارك في فتح مصر وصار واليا عليها.
ولما حضرته الوفاة أوصى أبنائه وصية جليلة:
يا بني أنهاكم عن ثلاثٍ فاحتفظوا بهنّ: لا تقبلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من ثقةٍ،
ولا تستدينوا ولو لبستمُ العباءَ ولا تكتبوا شعراً فتشغلوا به قلوبكمْ عـن القرآن.
ووجدوا في تركته بضعا وسبعين قوسا وكان قد كتب القرآن بخط يده
رضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الفوائــد:
1-الأهم فالمهم (نسق أمورك ورتبها بحيث لا يطغى أمرا على أمر)
فقد كان رضي الله عنه يهتم بأمر غنيماته ولكنه لما علم بقدوم رسول الله
ذهب لمبايعته ولم يأبه لغنيماته.
2-احرص على الصحبة الصالحة التي تعينك على أمر دينك ودنياك ،
الصحبة التي لا تخفي عنك شيئا قد يستقيم به أمرك ،
الصحبة التي تثق بهم وتامن على مالك ونفسك معهم ،
كما هو عقبة وأصحابه رضي الله عنهم عندما اتفقوا أن يذهب كل يوم واحد يأتي لهم بالعلم
3-اشغل وقتك بما يفيدك كان رضي الله عنه له حلم الشهادة والجهاد في سبيل الله
(حتى أنه إذا أراد أن يتلهى تلهى بالرمي) ، أي أنه كان يتعلمها في وقت فراغه
فعندما تكرس وقتك لهدف فإن كل شي تفعله يوصلك إليه ، حتى في وقت الفراغ.
4-فكر دائما بالأفضل،
تخيل لو أن الصحابي عقبة لم يذهب إلى رسول الله وآثر غنيماته واكتفى بما يعلمه أصحابه..
هل سينال شرف صحبة رسول الله ولقب(رديف رسول الله)، هل سينال شرف العلم والجهاد،
لا تجمد عملك ولا أفكارك ، فكر بما ينفعك ، جرّب أعمال جديدة ،
ثق بالله بأنه لن يتركك ، ولكن قبل كل شي انوِ الخير
يقول بن القيم ( النية الصالحة والهمة العالية نفسٌ تضيئ وهمةٌ تتوقد )
5-محطات في حياة الصحابي: 1-اختياره لمبايعة الهجرة لا بمبايعة الأعراب ،
2-اختياره لأن يكون رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم
3- كان هو مبشر الفاروق الذي كان ينتظر بفارغ الصبر خبر فتح دمشق ،
كل هذه الأمور تدل على شخص يتوق دائماً للأفضل ، ينظر دائما للقمة
وقبل كل هذا من يصدق مع الله يصدق الله معه وينصره ويؤيده وينعم عليه
فاسألوا الله من فضله وتذكروا بأن الله كريم فأروه من أنفسكم ما يحب
(ومابكم من نعمة فمن الله)