02-14-2017, 09:39 AM
|
|
|
|
|
صناعة الوجع
تكاثرت بنا أوجاعُنا، نأكلها أكثر من أرغفة الخبز، فايروسات غير مرئية، تسرطن الروح، وتسلطن الحزن، باكتيريا تحاصرنا حد شيوع الكآبة، وعجز الفرح عن أداء مهماته.
تنتشر تقاسيم الغضب على الطرقات، عند إشارات المرور، في الأسواق والمنازل، الكل متحفِّز لشجار أو صراخ، لأنه يعيش على حافة الصمت منذ ألم طويل، فكل مكتئب امتص أكثر من قدرته على التحمُّل، أو التجمُّل، وذلك ناتج من أسباب عدة.
باتت أيامنا مصانع للوجع، فكل قريب، غريب، أو حبيب لا يتركك من دون أن يلسعك، يزرعك بأشجار الشوك. أما الفرح فهو متأرجح بين «خبال أو خيال» يحدث فقط مع غياب العقل، وربما لا نصادف الابتهاج إلا حين سفر، أو شماتة.
تعزف ساعات أيامنا «سمفونيات» الألم، وكأننا نعيش لنتألم فقط، لأن الإخفاق الفردي قناعة تسيطر علينا كل صباح لدرجة الاقتناع التام بعدم جدوى تكرار المحاولة، والارتكان إلى اليأس، فلا مؤسسات دولة أو شارع يحترم الجهد الفردي، أو يعتبره ذا قيمة للوطن والمجتمع .
يجيء كوننا دولةً ومجتمعاً حديثي التخلق والوجود سبباً مباشراً في مبادلة الوجع بين الأجيال، فالأجداد موجوعون من الآباء، والآباء منهكون من الأبناء، وكذلك مصاب كل الأبناء بوجع كبير من الآباء والأجداد، كلنا موجوعون، لأننا مجرد مواد أولية لتأسيس استقرار تأخر كثيراً الوصولُ إليه.
يضاف إلى قائمة صناع الجوع صناع الشظف المعيشي، وفي مقدمهم «إيجار المنازل»، شتات أهل القرى خلف منابت الوظائف. ضعف الأمان الصحي. شعور الاغتراب على أرض وطنك، أو تحت سماء وظيفتك. تورطك بإحساس الوحدة، مسبوقاً بيقين العجز عن إمكان تحول الفرد إلى رمز، أو تحقيق حاجاته قبل طموحاته.
نتكابر على الوجع، نهمله، نتجاهله، نشعر بخجل استقباله، وأكثره قسوة لا يأتي إلا من أحباب، كذلك شعورك بكونك نكرة في الشارع أو بين ذوي القربى، وكل عاجز موجوع، موخوز في ضميره، مُصاب ببؤس يسكن روحه.
نستقبل كل يوم صفعة وجع، قد يكون أصغرها خذلان الناس لك، قد يكون أكبرها خذلانك للناس الناتج من عدم قدرتك على تبيان إحساسك بآلامهم، ولا استطاعة لك بتنجيعها.
يذهب الوجع - إذا أردنا - حالمَا يكون آحادنا قادرين على تحقيق نجاحات فردية، تمنحهم مكاسب مالية، مسبوقةً بمعنوية ذات تقدير حكومي أو شعبي، أو كليهما، ويخف وجود الوجع حينما تُعاد صياغة ثقافة التخطيط والتنمية من حلول «جماعية» إلى حلول فردية، حينها يكون كل فرد قادر على حمل أثقاله رمزاً للنجاح، وبدقة أكثر عندما يولد ويموت أحدنا في قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً.
أصبحنا في هشاشة من الصبر لكثرة أوجاعنا. تؤلمنا خيبات فريق كرة القدم، لأنه آخر القادرين على تحقيق انتصار من أجلنا. ندفع أبناءنا وبناتنا بقسوة نحو تحقيق نجاحات عجزنا عنها. أيقنا أننا لم ولن ننجح وليس لنا عزاء إلا بالبحث عمَّن ينجح بالنيابة عنا، وعندما أخفقت أنديتنا الكروية ومنتخبنا أصبحنا نستجدي طعم النجاح من أندية ومنتخبات أجنبية. يوجعنا البحث عن فهم صفة مواطن وتأطيره. يصيبها رتوش ناتجة من رد جاف من موظف إدارة حكومية. عدم ثقتنا بحلول الإسكان. شح الوظائف. ارتفاع كلفة الحياة. جهلنا بقيمة بلادنا أثرياً وتاريخياً. انقطاع امتدادنا مع حضارات سبقتنا، مضافاً إليها أن كل قيمتك محصورة بالإجابة عن سؤال: «أنت وش تشتغل؟» |
|
|
wkhum hg,[u
|
4 أعضاء قالوا شكراً لـ كبرياء أنثى على المشاركة المفيدة:
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 11:44 PM
|