02-04-2017, 02:35 PM
|
|
|
|
|
معاناة راضية
لم تكن لتحتمل السؤال ذاته مجددًا؛ حين ينطلق يصبح طعنة تُعمِّق جراحها، شعلة توقد صدرها، ويعيدها لواقعها المُر، الذي تهرب منه إليه، ذلك الذي ينتأ أمامها كناب سبع يتحفز ليقضمها، ويفترس صبرها!
كم تتمنى أن تقول للجميع: لا تهيلوا ملح سؤالكم على نزيفي؛ فما بي مزيد قوة لأحتمل وجع القص وعذابات التفاصيل وحكايا الوجع عن الماضي القريب التي أسلي نفسي عنها بالتفكير فيها! حتى وهي تنغمس في عملها الشاق تظل تجتر حنينها وأنينها.
السؤال ذاته وهو يلقى مجاملة أحيانًا وفضولاً أحايين أخرى بمرادفاته يقلق لحظتها، ويعيدها لوجعها إن غفلت هُنيَّة.
(ما بك اليوم يا راضية؟).
ثم يتمطى السؤال باردًا ومشفقًا أحيانًا واصفًا وجهها الذابل وصفرته، ونحولة جسمها، وضعفه، ويفرقع غباره ويمضي!!
لكنها وهي لا تملك كلماتها التي تبخرت تنحني على باقي أثاث الغرف في صمت، تفرغ طاقتها المتبقية، تدعك غبارها، وتمسح آثار سؤالهن الذي صار صامتًا.
مضى زمن ليس بالقليل وهي تداري وجعها عن الجميع، وربما زفرت بعضه بلا رابط يحيك قصتها كما يجب، حتى جاء اليوم الذي بدت فيه بجسمها الناحل وقد أثقلها الهم قد خارت قواها؛ فمواقف الأمس هزتها كثيرًا، وأسقتها مرارة الذل والحاجة! ووجدت نفسها بعد تمنُّع تحكي وجعها، وتقول معاناتها بالكثير من الاستحياء لواحدة بعينها! وليكن متنفسًا كما يجب على الأقل.
(فراق الأبناء أشد المرارات وأصعبها، وحين تعلم حاجتهم وفقرهم تقتلك اللحظات ويكبلك الهم).
كان قلب الأم ينزف وهي تختصر معاناتها القاسية والمتشعبة بتلك العبارات الموجعة.
وقد تشكل الوجع كله بين طلاقها ومرضها وفقر الجميع وحاجة الأطفال!! لكن فراقها عن أبنائها الثمانية (ست بنات وابنين) أكثرها إيلامًا. تقول راضية:
طلَّقني زوجي بعد أن فقد كل شيء، تجارته وصحته وكل ما يملك، وعانيت بدوري أمراضًا نفسية حادة؛ فالصدمة كانت قوية؛ فكيف تبدل الحال بهذه السرعة والنقيض؟!
كنت ملكة في بيتي، أعيش حياة هانئة، وقد بدأ زوجي يقف على قدميه. كنا نستعد لبناء بيت العمر!! أعيد التصميم المرة بعد الأخرى، وأنقض الاقتراحات بتردد وروية فيما أعتقد.. أرسم أحلامًا كبيرة واسعة بالغة التخطيط، وأنا أكاد أحلق في سماوات الترقب! لكن كل ذاك الجمال والراحة والفرح تبدل فجأة، ووجدت نفسي فارغة اليدين، وأعاني فراق الأبناء وفقرهم وفراق الزوج والمعين، وأصبحت أعيش عند أخي وزوجتيه؛ إذ لا يمكنني أن أعيش في بيت طليقي. ضعف جسمي، وصارت تأتيني نوبات إغماء، وأضطر للتنويم بالمستشفى، وأُدخلت العناية المركزة أكثر من مرة.
أما أبنائي وبنياتي فقد استأجر لهم والدهم شقة متواضعة شبه خالية من الأثاث، وذهب للعيش في البر!! وتعيش معهم ابنتاي المريضتان (واحدة مطلقة والأخرى معلقة) مع أبنائهما!! ولا دخل ثابتًا لديهم. اضطررت الآن للعمل في شركة نظافة براتب ضئيل، وحاولت العمل في جهات عدة، لكن تجاوزي الأربعين من العمر وشهادة الابتدائية حالا دون حصولي على وظيفة أفضل. حاولت البحث عن وظيفة للبنات لكنهن لا يحملن سوى الشهادة المتوسطة. بحثت في الجمعيات الخيرية دون جدوى! وبحثت عن وظيفة في المصانع ولم أفلح. أما الضمان فيصرف لي مبلغًا زهيدًا؛ لأنني لم أستطع الإيفاء بمتطلبات صك الإعالة للأبناء والبنات!
تَطْرُق راضية خجلاً وهي تكف عن البوح، وتحمد الله تعالى، وتسأله الفرج..
هي تحلم بأن تكون مع أبنائها وبناتها في بيت مهما كان حجمه، لا تريد بيت العمر الذي حلمت به وخططت له؛ فقد تضاءلت أحلامها، والحلم الأهم أن تكون برفقة أولادها وبنياتها، تشتري لهم كل ما ينقصهم، وتكفيهم شر العوز والجوع والحاجة للناس!
تتمنى أن يكون مستقبلهم مضيئًا، لا مجال فيه للبطون الخاوية! أو انتظار القادم الذي لا يأتي.
---------------
luhkhm vhqdm
|
3 أعضاء قالوا شكراً لـ شموع الحب على المشاركة المفيدة:
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 10:44 PM
|