. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
الإنسان بضعة أيام :
أيها الأخوة ما من تعريف جامع مانع للإنسان كتعريف الإمام الجليل الحسن البصري: الإنسان هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
إذاً هو مجموعة أيام لهذا قال الله عز وجل:
و العصر* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
[ سورة العصر : 1-2 ]
أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن، فجاء جواب القسم إنك خاسر أيها الإنسان، لأن مضي الزمن يستهلكك، من هنا إن لم يتحرك في حياته الدنيا ذات السنوات المحدودة، إن لم يتحرك لمعرفة الله أولاً، ولطاعته ثانياً، وللتقرب إليه بالعمل الصالح ثالثاً، خسر الآخرة وخسر دنياه، لأن الإنسان كما قيل: كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت:
والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
***
و :
كل ابــن أنثى وإن طالت سلامــته يـــوماً على آلة حدبـــاء محمول
فإذا حمــــلت إلى القبور جنـــــــــازة فاعــــلم بأنــــك بعدهـــــــا محمول
***
المسارعة بمحاسبة النّفس :
إذاً المسارعة تعني أن الحياة متحركة، والإنسان إذا وقف يسبق، فلا بد من أن يتحرك حركة يحافظ بها على وجوده، وعلى عمله الصالح، إذاً كأن هناك شريطاً متحركاً إن وقفت عليه أنت متحرك، فإذا سرت عليه ضاعفت السرعة، فإذا خرجت منه سبقت، إذاً قال تعالى:
وَسَارِعُوا
[ سورة آل عمران: 133]
هذه الآية تعني لا بد من أن نحاسب أنفسنا، حينما نستيقظ، وقبل أن ننام، وبعد كل عمل، ما العمل الذي أردنا به وجه الله؟ ما العمل الذي انتهينا به عما نهى الله عنه؟ لذلك الآية الكريمة:
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
[ سورة آل عمران: 133]
من المربي، قال تعالى:
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
[ سورة آل عمران: 133]
لكن هذه الجنة لها ثمن، ومن طلب الجنة بغير ثمن فهذا الطلب أحد الذنوب.
تعريف المتقين :
من هم المتقون؟ قال تعالى:
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
[ سورة آل عمران: 134]
طبعاً قد تنفق في السراء، لكن الأجر أكبر إذا أنفقت في الضراء، قال تعالى:
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
[ سورة آل عمران:134]
هناك حالات ثلاث قد تستفز، قد يساء إليك، الموقف الكامل أن تكظم غيظك، والموقف الأكمل أن تعفو عن هذا الإنسان، والموقف الأكمل والأكمل أن تكون محسناً له، لذلك هناك آيتان آية متعلقة بالحرب، قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ
[ سورة التوبة:73]
وآية ثانية:
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
[ سورة فصلت: 34]
الآية الأولى:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ
[ سورة التوبة:73]
هذه أخلاق الحرب، أما أخلاق السلم:
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
[ سورة فصلت: 34]
إذاً الآية الكريم:
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
[ سورة آل عمران: 133]
من هم؟
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ
[ سورة آل عمران: 134]
ينفقون، لم يأت المفعول به، وحينما يحذف المفعول يطلق الفعل، ينفقون أوقاتهم، ينفقون جاههم، ينفقون أموالهم، ينفقون خبرتهم، ينفقون علمهم، قال تعالى:
يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
[ سورة آل عمران: 134]
ينفقون في السراء والضراء، والكاظمين الغيظ إذا استفزوا، والعافين عن الناس من باب التكريم والكرم، والله يحب المحسنين، قال تعالى:
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
[ سورة فصلت: 34]
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً
[ سورة آل عمران: 134]
النقطة الدقيقة في هذه الآية أن هذه الواو ليست عاطفة، بل هي استئنافية، وهذا موضوع آخر، قال تعالى:
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
[ سورة آل عمران: 135]
آيات تدعو إلى التوبة :
أيها الأخوة الكرام هذه الآيات تدعونا إلى التوبة، لأن الله عز وجل يقول:
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ
[ سورة النساء: 27 ]
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ
[سورة البقرة : 222 ]
الله عز وجل ما أمرنا أن نتوب إليه إلا ليتوب علينا، وما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا، وما أراد أن نعبده إلا كي يعطينا ثواب الدنيا والآخر.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون انتفاعنا بهذه الآيات واضحاً وباعثاً لنا على تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة، .