. التبرّج هو إظهار المحاسن التي أمر الشرع بسترها، ومحاسن المرأة التي تقصد إلى إبدائها فتعجب الرجل وتفتنه وتغيّر قلبه:
تارة تكون باعتبار الملبس وحده، كلون الملابس وما فيها من بهارج وزينة ملفتة.
وتارة باعتبار البدن وحده، كإظهار شيء من لون البدن.
وتارة باعتبار حركة البدن، كالتمايل والتبختر.
والمطلوب شرعًا هو سدّ باب الافتتان بالمرأة، وافتتان المرأة بالرجل.
والتبرج المحرّم هو التبرّج لمن لا يحلّ التبرّج له، وقد استحبّ الشّرع التبرّج للزّوجِ مطلقًا بكل من الثلاثة الأنواع.
وأباح أنواعًا أخرى من إظهار الزينة في الملبس لغير الزوج من المحارم وغيرهم، وتغاضى عن نوع ثالث مما لا يمكن الاحتراز منه من حركة البدن، لطبيعة جسم المرأة، للمحارم وغيرهم، أي: ولو لغير الزوج في النوعين الأخيرين.
وأمرَ الرجلَ بغضِّ بصرِه ومراقبةِ قلبه في النّوعين الأخيرين.
واشترطَ فيما يَظهرُ للمحارمِ من الرجال: ألا تقعَ به فتنة، فإن وقعت فتنةٌ واشتهاءٌ، زالتِ الإباحةُ وحلّتِ الحرمةُ.
وهذه أمورٌ تعرَفُ بتتبُّعِ مواطنِ الأمرِ والنّهيِ الشرعيَّين، وكلامِ الفقهاءِ عليها، لا يَحتملُ المقامُ هنا التطويلَ بها.
وهذا نصٌّ جامعٌ من كلامِ الإمامِ الهيتميِّ الشافعيِّ، رحمه الله من كتابه: (الزّواجر عن اقتراف الكبائر) [1/259]، وفيه الكلامُ على الأنواع الثّلاثة باختصارٍ.
قال رحمه الله:
"(الكبيرة الثّامنة بعد المائة):
لبسُ المرأة ثوبًا رقيقًا يصفُ بشرتَها. وميلُها، وإمالتُها.
أخرج مسلمٌ وغيرُه: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» (صحيح مسلم [2128]).
و«كَاسِيَاتٌ»، أي: مِن نعمِ الله.
و«عَارِيَاتٌ»، أي: من شكرِها.
والمرادُ: كاسياتٌ صورةً، عارياتٌ معنًى، بأن تَلبَس ثوبًا رقيقًا يصِفُ لونَ أبدانهنّ.
و«مَائِلَاتٌ»، أي: عن طاعة الله، وما يلزمُهنَّ فعلُه وحِفظُه.
و«مُمِيلَاتٌ»، أي: لغيرهنَّ إلى فعلهنَّ المذمومِ، بتعليمهنَّ إياهنَّ ذلك.
أو: «مَائِلَاتٌ»؛ يِمشينَ متبختِراتٍ، «مُمِيلَاتٌ» لأكتافهنَّ.
أو: «مَائِلَاتٌ»؛ تمشّطنَ المِشطةَ الميلاء، وهي مِشطةُ البغايا، «مُمِيلَاتٌ»: أي يمشّطن غيرهنَّ تلك المِشطةَ.
«رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ»: أي يكبِّرنها، ويعظِّمْنَها بلفِّ نحوِ عمامةٍ أو عصابةٍ".
ثم قال الهيتميّ رحمه الله بعد كلام:
"تنبيه:
ذكرُ هذا من الكبائرِ ظاهرٌ، لما فيه من الوعيدِ الشَّديد، ولم أر مَن صرَّح بذلك، إلا أنه معلومٌ بالأولى ممّا مرَّ في تشبُّههنَّ بالرّجال.
قال الذّهبيُّ: ومن الأفعال التي تُلعَن المرأةُ عليها:
إظهارُ زينتها؛ كذهبٍ أو لؤلؤٍ من تحت نقابها، وتطيُّبُها بطيٍب، كمسك إذا خرجت.
وكذا: لبسها عند خروجها كل ما يؤدي إلى التّبهرج، كمصوغٍ برَّاقٍ، وإزارِ حريرٍ، وتوسعة كمٍّ وتطويله.
فكل ذلك من التّبهرجِ الذي يمقُتُ اللهُ عليه فاعلَه في الدنيا والآخرة، ولهذه القبائح الغالبة عليهنّ قال عنهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم: «اطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» (صحيح البخاري [3241])" ا.هـ. كلام الهيتمي.
قلتُ:
وما نقله الهيتميّ عن الذّهبي، هو من كتاب (الكبائر) المنسوب إليه، وفي نسبته نظر ظاهر، والصحيح أنه لا يصحّ إليه.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك .