الاختلاف بين البشر سنة من سنن الله في كونه، فلا يمكن أن يكون الناس على فكر واحد ولا يجتمعون على رأي واحد ولا يكونون لونا واحدا، هكذا أرادها الله سنة ماضية من خلق البشرية إلى قيام الساعة، وعلى بساطة هذه الفكرة ووضوحها، إلا أن الكثير لازال يقاتل في سبيل فرض رأيه وجعله حقيقة مطلقة لا تقبل اختلافا ولا نقاشا، وأن من يخالفه فإنما هو مارق عن الدين، متشبث بالفسق والفجور والزندقة، ويمضي عمره يبيع هذه الأفكار على الناس ويسوّقها في المجتمع حتى أصبح الناس مقتسمين على أنفسهم؛ يحاربون أناسا من أبناء جنسهم ووطنهم لا لشيء إلاّ لأن شيخا أو واعظا أو داعية قال لهم
في محاضرة أو خطبة أو عبر برنامج في فضائية إن أولئك القوم علمانيون أو ليبراليون أو تغريبيون، ويجب أن تكرههم تقربا إلى الله ولا أحد يسأل عن حقيقة تلك المصطلحات السابقة، لأن الشيخ نفسه لا يدرك لها تعريفا وإنما وجد من كان قبله يرددها فرددها من وراءه كما سيرددها من بعده من ببغاوات الوعظ الذين اتخذوا شتيمة المخالف عبادة يتقربون بها إلى الله ودنسوا ألسنتهم وأقلامهم بعبارات الفحش التي لا تستقيم مع سماحة هذا الدين ومقاصده العظام.
لقد اكتشف الإنسان القديم (القانون) عندما اكتشف حقيقة أنه لا يمكن التعايش بين البشر على هذه البسيطة دون وجود قواعد تحكم مصالحهم المتضاربة المتعارضة، فوصلوا إلى الاتفاق على قواعد آمرة تحكمهم وتنظم شؤونهم، وأخذت تلك القواعد تتطور عبر العصور المتعاقبة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، وأصبح القانون هو الذي يؤدب من لم يُؤدب في بيته، ويخرس كل من امتهن النيل من أعراض الناس والتشهير بهم، فلم يعد الوازع الديني أو الأخلاقي هو فقط من يحول بينهم وبين أعراض الناس كما كان الحال عليه قبل عقود من الزمن قبل أن تظهر لنا طبقة المتاجرين بالدين، بل أصبح من الضروري إيجاد عقوبات جنائية تحمي أعراض الناس من فجور أولئك المَرَدة.