تماما، ومثل البشر، تحمل الشوارع أسماء وروحا ونبضا تمنح العابر لها انطباعا شاملا وكافيا عن المكان والسكان، وربما تمنحه، إن أمعن الفكر والبصر، عناوين أخرى لتاريخ وشخوص الأزمنة، وانعكاسات حضارات مرت بها عبر العصور والحقب. ولن يكون حديثنا اليوم عن "جزيرة القلب" بعيدا عن هذه المفاهيم التي تدور حول ما يتركه البشر من بصمات وأثر، تدفع من يأتون بعده بأعوام أو قرون، إلى أن يجعلوا من اسمه عنوانا لمكان يشار إليه بالبنان كلما حلوا بقربه، أو يتساءلون عن مكانته ودوره في حياة من عاصروه أو اقتدوا به حتى من دون أن يروه. فالجزيرة، ليست ضمن الجزر العشر التي تأخذ المنطقة اليابسة فيها شكل القلب، لكنها استمدت تسميتها من لغة سكانها الناطقين بالأسبانية فاسمها الأصلي "كوراساو" وترجمته بالعربية هي القلب، وقد منحوها هذا الأسم بسبب موقعها في قلب الطريق التجاري لأمريكا الجنوبية. فالجزيرة تحتل موقعا متميزا جنوب البحر الكاريبي بأمريكا الجنوبية الوسطى، مقابل جمهورية فنزويلا، كما أنها من أهم جزر الأنتيل وأكبرها مساحة، وتعتبر من أكبر مناطق تجمع ذوي الأصول الأفريقية الذين جلبوا للجزيرة من ساحل أفريقيا الشرقي الذي أطلق عليه بحارتنا العرب لقب "ساحل الزنج".
دلالات اسلامية في جزيرة القلب
ولو وصلنا في التو إلى "القلب"، حيث أرض الجزيرة كمضخة الدم في الجسم، وتجولنا في شوارعها التي تغص بأصحاب البشرة السوداء بعد أن هجرها البيض أصحاب الشعور الشقراء إلى "أوروبا" وهي جزيرة قريبة ضمن مجموعة جزر الأنتيل، فسوف نكتشف إشارات واضحة وبارزة على الحضور الاسلامي في تلك البقاع البعيدة التي لاتزال خاضعة لمملكة هولندا حتى اليوم. ففي مدن جزيرة كوراساو لا تزال الشوارع تحمل أسماء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم، ومكة، والمدينة المنورة. ومن الوقائع المهمة في تاريخ الجزيرة؛ أن أغلب المسلمين القدامى الذين وفدوا إليها من أفريقيا؛ كانوا ضحايا الحروب التي خاضتها الدول الاستعمارية، مما أضعف قوة المسلمين هناك قبل أن يشكل المهاجرون من أهل الشام دعما للقلة الباقية عقب الحرب العالمية الثانية، ومن بعدهم حلت بالجزيرة أفواج أخرى من مسلمي الهند وباكستان ليصل عددهم حاليا إلى ثلاثة آلاف نسمة، ساهموا في تأسيس جمعية إسلامية عام 1964واتبعوه ببناء مسجد في أوائل سبعينات القرن الماضي.
معلومة مهمة
وفي استعادة لبعض تاريخ "جزيرة القلب" نتوقف أمام معلومة مهمة تقول: إن "كوراساو" شهدت عام 1650ميلادية أول محاولة للاستيطان اليهودي حيث وصلت 12 عائلة يهودية أوروبية ومعها خطاب توصية للاستثمار في زراعة الأرض؛ لكن هذه الخطوة لم تنجح بسبب ماتم فرضه على هذه المجموعة من قيود في ظل أجواء محاكم التفتيش في أسبانيا والعالم الجديد، وهي المحاكم التي كانت تلاحق اليهود والمسلمين آنذاك. وتشير الإحصاءات السكانية الحديثة إلى أن عدد اليهود في "كراساو" حاليا لا يزيد عن 200 في حين يتزايد عدد المسلمين هناك بعد تزايد عدد معتنقي الاسلام من أهالي الجزيرة، وخصوصا من أصحاب الأصول الأفريقية.