هذه القصـــة العجيبة عن السعادة ويرويها لنا على لسان صيَّاد ،
في دلالة رمزية على ان السعادة النفسية لا تكمن في المال .
كان رجل يجلس فى بيته فدخل عليه صيَّاد يحمل شبكته و معه سمكة كبيرة ،فعرضها على الرجل فأعطاه الرجل النقود بلا مساومة ففرح الصّياد فرحاً شديداً وقال للرجل :أحسن الله اليك كما أحسنت اليَّ، و جعلك سعيداً فى نفسك كما جعلك سعيداً فى مالك.
فتعجَّب الرجل شديداً لأنه وجد رجل عامِّى يهتدى لحقيقة لا يعرفها الا القليل الخاصة ، وهى أن السَّعادة النفسية شأن آخر غير السعادة المالية. و طمع أن تفتح أبواب السماء لهذه الدعوة ،وقال للصيَّاد : وهل تعد نفسك سعيداً ؟
فقال : نعم أنا سعيدٌ لاننى قانع برزقى، فرح بعيشى، لا أحزن على ما فات من العيش ،ولا تذهب نفسى حسرة وراء مطمعٍ من المطامعِ فمن أى باب يخلص الشقاء الى قلبى ؟
فقال الرجل للصيَّاد : اننى لا أراك الا رجلاً قد إختلَّ عقله . فكيف تعِد نفسَك سعيداً وأنت حافٍ غير منتعل ،وعارٍ الا قليلاً من الأسمالِ الباليةِ و الأطمارِ القديمةِ
قال الصيَّاد : إن كانت السعادة لذة النفس و راحتها ،و كان الشقاء ألمها و عناءها ،فأنا سعيدٌ لأنى لا أجد فى رثاثة ملبسى ولا فى خشونة عيشى ما يولِّد لى ألماً أو يسبِّب لى هماً، وإن كانت السعادة عندكم غير ذلك فأنا لا أفهمها الا كذلك.
قال الرجل : ألا يحزنك النظر الى الأغنياء فى رياشِهم و أثاثِهم؟
رد الصيَّاد قائلاً :إنَّما يصغرُ جميع هذه المناظر فى عينى ،ويهونها عندى إنى لا أجد أصحابها قد نالوا من السعادة بوجودها أكثر مما نلته بفقدانها ، وان كان الغرض من الطعام إمتلاء المعدة ،فانى لا أذكر يوماً نمت فيه جائعاً ،وإن كان الغرض منه الشهوة، فانى لا أكل الا عندما أكون جائعاً فيدخل الطعام فى جوفى أشهى طعام.
أما القصور فإن لديَّ كوخٌ صغيرٌ لا يضيق عليَّ ولا على زوجتى و إبنى . وإن كان لابد من التمتُّع بالمناظر الجميلة ، فحسبى أن أحمل شبكتى على عنقى ، وأرى السَّماء الصَّافية و قرص الشمس كأنه مجن من لهب أو قطعة ذهب ، وانى لا أجد تشبيه للأغنياء و الفقراء أبلغ من السمك، فان السمك فى الشبكة كالأغنياء الذين لا يذهبون الى ما يريدون ،لأنهم لا يتحركون إلا وعليهم من الحِداقِ نِطاق ، ومن الرصاد أغلال و أطواق.
أما الفقير فيذهب الى حيث يشاء كالطَّير الذى لا يقع على مكان الا الذى يروق فيه التغريد و التنقير .
قال الرجل : وما الذى يجعلك سعيداً ؟
قال الصيَّاد : لا علاقة بينى وبين أحد سوى تلك العلاقة التى بينى وبين ربى، فاذا قضيتُ بالصَّلاه حق ربى، و بالعملِ حق عيالى نمت فى فراشى نومة هادئة لا أحتاج معها لحريرٍٍ أو مهدٍ وثير .
و فجأةً نهض الصيَّاد و حمل شبكته وقال : إنى أدعو لك الدعوة التى أحببتها ،أن يجعلك الله سعيداً فى نفسك ،كما جعلك سعيداً فى مالك.