السلام عليكم
تحدث إمام وخطيب مسجد قباء - الشيخ صالح المغامسي - في خطبته التي تم بثها في إذاعة القرآن الكريم حول حديث عظيم بين أقسام الخلائق وهو ما أخرجه الشيخان في صحيحهما من حديث عائشة - رضي الله عنها – أنها قالت : « خُلِقَتِ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ ». فوائد عامة من الحديث :
1.هذا الحديث فيه بيان أصل الخِلقة للعقلاء الثلاثة من المخلوقات .
2.يدل أول الأمر وآخره على أن الله جل وعلا وحده هو الخالق ، وأن هذه الثلاث الطوائف من علا منها وعظم فهو قد عظم وعلا بفضل من الله ورحمة وإلا في أصله مخلوق ، ولا أحد يخلق إلا الله جل شأنه .
* ثم تناول الشيخ شيء من أخبار الملائكة عليهم السلام قائلا :
فالملائكة : قد جعل الله لهم سلطاناعلى بني آدم ، يرونهم ولا يتمكن بنو آدم من رؤيتهم ، و الله جل وعلا أناطهم بأجل وأعظم المقامات ،ولم يجعلهم مكلفين وقال عنهم وهو أصدق القائلين : (بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ )، وهم مع ذلك كما أخبرواعن أنفسهم في كلام ربنا : (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ* ) لا يتجاوزه ولا يتعداه ، يعرف كل أحد منهم ما أوكله الله جل وعلا إليه ، إلا أنهم في الجملة مكرمون أطهار ، قريبون من ربنا العزيز الغفار .
و لهم بعض علاقة مع بني آدم ، تلكم العلاقة تتفاوت منها:
* علاقة مع كل أحد بصرف النظر عن إيمانه وكفره ، ككون الملك ينفخ الروح للجنين في بطن أمه وككون الملك يقبض الروح عندما تحن ساعة الأجل ، وككون الملك بعضهم خزنة للسماء وغير ذلك مما لا يتعلق بإيمان وكفر .
* ومنهم من جعله الله جل وعلا مؤتمن على عظائم الأمور ، وفي مقدمة أولئك جبريل عليه السلام ولي رسولنا عليه السلام من الملائكة .
* وهؤلاء الملائكة لهم علاقة أخص بالمؤمنين، وأعظم ما تتجلى تلك العلاقة ساعة الاحتضار ، قال ربنا : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) ، فتخبره الملائكة بأن لا يخاف مما هو قادم عليه ،وأن لا يحزن على ما خلفه وراءه ،لأن الله جل وعلا وليه .
* وينبغي للمؤمن أن يستحي من الملائكة ، يستحي من الملائكة إذا خلى لأنهم لا يفارقون العبد ليلا ولا نهار ، ويعلم أن الملك الذي على اليمين يكتب الحسنات والملك الذي على الشمال يكتب السيئات ،والحياء من هذين الملكين من الدين بلا شك ، لأنه يبين يقين العبد أنه يعلم أن الله جل وعلا صدق فيما يقول قال ربنا : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ*كِرَاماً كَاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) .
ثم ذكر القسم الثاني من الخلائق فقال :
*أ الجن فمن أسلم منهم يقال له جان ، ومن بقي على كفره فيوصف بأنه شيطان ، وإبليس وهو أبوهم ،لما خلق الله أبانا آدم وأمر الملائكة بالسجود قال مستكبرا : (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ) أي من آدم ، (خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) ، فكتب الله عليه أن يخرج من رحمته وطرده من المكانة التي كان فيها ، (فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ) وليس المقصود هنا الخرج من الجنة ، وإنما الخروج من المكانة وعلو المنزلة ورحمة ربنا تبارك وتعالى.
* أوكل الله جل وعلا بكل أحد من بني آدم شيطان كما عند مسلم في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة – رضوان الله عليها - : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا ، فغارت عليه ، قالت :فلما جاء ورأى ما أصنع قال : ما لك يا عائشة ، أغرت ؟ قلت : يا رسول الله وما لي لا يغار مثلي على مثلك ، فقال صلى الله عليه وسلم لها : " أو قد جاءك شيطانك . ، قالت : يا رسول الله أو معي شيطان ؟ قال نعم ، قالت قلت : ومع كل إنسان ؟ قال : نعم ، قالت : ومعك يا رسول الله ؟ قال : نعم ، ولكن الله أعانني عليه فأسلم" .
فائدة من قوله عليه السلام : (ولكن الله أعانني عليه فأسلم)
1. أن النبي صلى الله عليه وسلم أسند إلاعانة إلى ربه جل وعلا .
2. و فيها بيان مقامه عليه السلام إذ حتى الشيطان الذي وكل به هدي على يديه صلوات الله وسلامه عليه . * والشياطين لا هم لهم إلا أن يغوا بني آدم ، لأن الشيطان قال بين يدي ربه : (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) وأخذ عهود على نفسه وأقسم بين يدي رب العزة أن يسعى كل السعي في إغواء بني آدم (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) وعلى هذا فإن المؤمن عليه أن يكثر من الاستعاذة من الشيطان وشره وأن يستعين بالله جل وعلا و يتدبر القرآن ويتأمل السنة ،حتى يصل إلى مراده وينجيه الله جل وعلا برحمته وفضله من همزات الشياطين . *والجن منهم من أسلم سواء كان قبل نبينا صلى الله عليه وسلم أو بعده ، لكنه قطعا أشرف الجان من أسلم بنبينا عليه الصلاة والسلام ، ومنهم كما قص الله في كتابه من سمع القرآن من فيّ النبي صلوات الله وسلامه عليه ، (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً) وأخبر الله جل وعلا عن إيمانهم وفرحهم بأنهم سمعوا هذا الذكر المبارك من نبي مبارك في ليلة مباركة ، صلوات الله وسلامه عليه . وثم ختم بذكر القسم الثالث من الخلائق وهم بنو آدم : أما بنو آدم فإن الله خللقهم من طين (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ) ، وجعلهم مكلفين ، فمن سمى بروحه ونفسه سمى إلى عالم الملائكة ، ومن اتبع هواه و اقترف الشهوات سمى إلى عالم البهائم ، والله جل وعلا لما خلق آدم من تراب ثم كتب الله جل وعلا له أن يهبط إلى الأرض مع زوجه ، ثم كتب الله لذريته أن تعمر الأرض ، ثم بعث الله الرسل وأنزل الكتب لتقوم الحجة وتتضح المحجة على الخلق أجمعين ثم الله تبارك وتعالى يتوفاهم ، ثم يجمعهم ثم يعطى كل أحد كتابه ، كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، فاتباع الهُدى والتزام هديه صلوات الله وسلامه عليه مع تحقيق التوحيد في القلب أعظم ما يعين على النجاة من أهوال يوم القيامة . *وبنو آدم منهم الكافر ومنهم البر ومنهم الفاجر ومنهم الصادق ومنهم المنافق شتى كما قال الله : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ). * أشرفهم رسولنا صلى الله عليه وسلم ، ثم الخليل إبراهيم عليه السلام ثم بقية أولي العزم من الرسل ، ثم بقية الأنبياء والمرسلين ثم أتباعهم من الصحابة والحوارين وأرفعهم الشيخان أبي بكر وعمر رضوان الله تعالى عليهما ، وذو النورين عثمان وأبو السبطين علي ، وبقية أصحاب محمد صلوات الله وسلامه عليه ، ثم من تبعهم بالهدى ولزم طريقهم بإحسان . هذه بعض القطوف والثمرات من خطبة شيخنا نفع الله بها من ألقاها وقرأها وسجلها وعمل بما فيها... آآآآمين . الشيخ:صالح المغامسي