من على ميناء صور كانت الرحلات تعلن انطلاقتها. تلك الوجهة التي اعتبرت واحدة من أعرق خمسة مرافئ عالميّة قديمة، خبّأت في زمانها الغابر حكايا حضارةٍ بنت للشعوب أبجديّة، وللعالم صيرورة. لطالما عرف الفينيقيّون بحبّهم للتجارة، وولعهم بالملاحة. كانوا أربابها الحقيقيين. وكانت جرار الزيت والزيتون والنبيذ تعبر البحر نحو البلاد البعيدة، وتعود محمّلةً هدايا ومقتنيات مزخرفة، تجسّد عظمة العهد الفينيقيّ. وكان الفينيقيون يحتمون بجبال لبنان، التي شكّلت لهم أسوار حماية من الغزوات وعزّزت نفوذهم وحملتهم على الوثوق بالبحر. اليوم، وبعد آلاف سنواتٍ طواها الزمان، وبعد اندثار الحضارة الفينيقيّة، التي غابت حسيًّا وخلّدت ذاكرةً وفكرًا. يقال أن واحداً من أصل ثلاثة لبنانيين هم من أصولٍ فينيقيّة. وفي رحلة البحث عن أقاصيص الماضي، علماء آثارٍ واظبوا على استكشاف البحر اللبنانيّ في السنوات الأخيرة، ليجدوا فيه روائع مدفونة في أعماقه. هي في الواقع بقايا مقتنيات سفنٍ فينيقيّة، صارعت مصيرها في عرض البحر في الزمن الخامس والسادس قبل الميلاد، قبل أن تسلّم وجودها لأعماقه. فماذا تخبّئ الأودية المائيّة اللبنانيّة من حكايا؟ وماذا اكتشف منها حتّى اليوم؟ وما أهميّة ما وجد فيها تاريخيًّا وسياحيًّ
صورة لغرفة معبد عشتارت.
صورة لجدار معبد عشتارت في مدينة صيدون.
صورة لطريق غارقة في بحر صور.
صورة لعامود غارق في بحر صور.
صورة للساحة العامّة في مدينة صيدون الغارقة.
صورة رابعة لحجارة منحوتة كانت توضع في قعر السفينة.
صورة ثالثة لحجارة منحوتة كانت توضع في قعر السفة بهدف استعمالها لتوازن السفينة.
صورة ثانية لحجارة منحوتة كانت توضع في قعر السفة بهدف استعمالها لتوازن السفينة
صورة لحجارة منحوتة كانت توضع في قعر السفة بهدف استعمالها لتوازن السفينة كل حجر منحوت بطريقة معينة ليكون في مكان معين في بطن السفينة.
جزرٌ غارقة تحتضنها أودية المياه اللبنانيّة، يعود زمنها للقرنين الخامس والسادس قبل الميلاد. وتعود أصول تلك الأحداث التاريخيّة الى الأجداد الفينيفيين الذين لطالما عرفوا بوثوقهم بالجزر البحريّة، فسكنوها اعتقادًا منهم أنها تحميهم من الغزوات والأطماع الخارجيّة. وفي مقاربةٍ تاريخيّة بين الأمس واليوم، يروي نقيب الغطّاسين الأستاذ محمد سارجي لـ"النهار"، تجربته في قاع البحر، بعد اكتشافاته المتعاقبة لمدنٍ خالدة في الأودية المائيّة، والتي لا تزال أجزاء رحلات اكتشافها مستمرّة حتى اليوم: "من أبرز المدن القديمة التي سكنها الفينيقيّون، كانت جزيرة صيدون التي غرق ثلثي يابستها في البحر نتيجة هزّات أرضيّة ضربتها نحو سنة 147 قبل الميلاد إضافةً الى الغزوات التي تعرّضت لها، إلّا أن مياه البحر حفظتها في أعماقه". وعن جزيرة صور التي اكتشفها في رحلاته الدائمة تحت الماء، يقول: "لا يزال قسم من جزيرة صور، أعرق المدن الفينيقيّة، عائماً فوق المياه، الا أن قسماً كبيراً منها غرق في البحر بعد الهزّات الأرضيّة التي اجتاحتها نحو 550 قبل الميلاد، فضلًا عن الغزوات التاريخيّة". فيما يعتبر سارجي أن مدينة يرموتا الكنعانيّة غرقت كليًّا في المياه وشكّلت نقاشًا علميًّا بين علماء الآثار حول العالم، وهي موجودة اليوم برأيه الخاص في مياه منطقة الزهراني، وعمرها أكثر من 5000 سنة.