تأمل قوله تبارك وتعالى ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ )
تأمل كيف قدّم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله عز وجل رغم أهمية الإيمان ، فالإيمان نفعه لازم لصاحبه ، وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فنعه متعدّ ، إذ هو بمثابة صمام الأمان لهذه الأمة ، وبه ينحسر مـدّ الفساد الذي يكون سببا لهلاك العباد وخراب البلاد .
ثم تأمل قوله تعالى ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِير مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة أَوْ مَعْرُوف أَوْ إِصْلاَح بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )
لتعلم أن قضاء حاجات عباد الله - مما يقدر عليه المسلم - أحب إلى الله من اعتكاف المسلم في بيت من بيوت الله ، مع ما في الاعتكاف من إحياء الليل وقراءة القرآن والبعد عن الفتن ، ولكن مع ذلك فقضاء حاجات ذوي الحاجات أحب إلى الله من ذلك .
ولذا لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال :
يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله ؟ وأي الأعمال أحب إلى الله ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دَيناً ، أو تطرد عنه جوعا ، ولئن أمشي مع أخ لي في حاجة أحبّ إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً - في مسجد المدينة - ومن كفّ غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة ، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له ثبّت الله قدمه يوم تزول الأقدام . رواه الطبراني في الكبير ، والحديث في صحيح الجامع .
والمتأمل في هذا الحديث العظيم يرى أن هذه الأعمال مما يتعدى نفعها إلى الآخرين .
فأحب الناس إلى الله أنفعهم للناس
وأما أحب الأعمال إلى الله فـ :
سرور تدخله على قلب مسلم .
أو تكشف عنه كربة
أو تقضي عنه دَيناً
أو تطرد عنه جوعا
وقيامك مع أخيك في حاجته أفضل من الاعتكاف في مسجده عليه الصلاة والسلام شهراً .
وهذا إذا قمت معه ووقفت إلى جانبه سواء قُضيت أو لم تُقض
أما إذا قُضيت فـ :
من مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له ثبّت الله قدمه يوم تزول الأقدام
والسعي على المحاويج من الضعفاء والمساكين كالمجاهد في سبيل الله .
قال عليه الصلاة والسلام : الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، أو القائم الليل الصائم النهار . رواه البخاري ومسلم .
" ومعنى الساعي الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين " قاله ابن حجر .
وما ذلك إلا لتعدي نفعه إلى غيره ، خاصة من أصحاب الحاجات من الأرامل والمساكين .
هل رأيتم أفضل من هذا ؟
وإنما بلغت هذه الأعمال هذه الرتبة لتعدي نفعها .
وهكذا يحرص الإسلام على روح التآخي والتكاتف ، وعلى نبذ الأنانية وحب الذات .
فالموفّق من وُفِّق للمبادرة لمثل هذه الأعمال .
ومع ذلك يجب أن لا ينسى المسلم نفسه في خضم ذلك فيكون كالشمعة التي تحترق ليستضيء الآخرون .
فلربما نسي الشخص نفسه في ظل البذل والتضحية في سبيل مثل هذه الأعمال .
ولكنه يوفِّق بين الأمرين ، فلا ينسى نصيبه من العمل الصالح اللازم
ولا ينسى أن يبذل من نفسه ووقته للآخرين .
والموفَّق من عرف خير الخيرين ، فعمِل به .
وعرف شرّ الشرّين فاجتنبه .
جعلني الله وإياكم ممن وُفِّق لفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم