"أزمة منتصف العمر" ظاهرة طبيعية تنتشر لدى الرجال والنساء، وإن كانت تنتشر أكثر وسط الرجال،ويختلف توقيت حدوثها من فرد إلى آخر. في هذه المرحلة ينتاب الإنسان تغيير نفسي ينعكس على سلوكياته الاجتماعية، لتصل إلى معاناة شخصية في مختلف جوانب حياة الإنسان وسوء توافق الفرد مع التغيرات البيولوجية و الشخصية والمهنية، يجعل المجال مفتوحا نحو السلبية على الحياة الزوجية، فتعاني الزوجات كثيرًا من أزمة منتصف العمر عند الرجل، وهو ما يوقع الزوجة في جو من الحيرة والارتباك والتردد في اتخاذ أي قرار تجاه الزوج حين يقوم الرجل بتغييرات جذرية على مظهره الخارجي، ويعبر باستمرار عن حنينه للماضي ويكثر من ذكرياته و يفقد اهتمامه بزوجته ويقضى وقتاً أقل مع عائلته، ويجلس ليتصيد عيوب الزوجة، ويختلق المشكلات، وينظر لها نظرة دونية. "لها أون لاين" تحاور رئيس قسم الصحة النفسية في وزارة التربية والتعليم عبير الشرفا للوقوف على أسباب أزمة منتصف العمر وآلية التغلب عليها. - كيف تنشأ أزمة منتصف العمر؟ ومتى؟ الحياة الزوجية هي رباط مقدس، وعلاقة قائمة على المودة والرحمة، تبدأ بتعود كل من الزوجين على الآخر، وبالحب والمودة تستمر الحياة ويتم التغلب على بعض المشكلات التي تواجههما، وحتى يمتد العمر بهما للوصول إلى بداية الأربعينات ونهاية الخمسينات هنا تبدأ الأمور بالتغير، فالأبناء منشغلون في العمل والدراسة أو الزواج، ويبدأ الشعور بالفراغ وبالوحدة لدى الزوجين. الرجل على وجه التحديد يبدأ بالشعور أن حياته مضت سدى، فيقوم بمراجعة دقيقة لإنجازاته، وتقييم عام لخطوات حياته ويسترجع ذكرياته ويقول: أنا في البداية كنت أفضل من ذلك، أما الزوجة فتستعيد ذكرياتها بأنها لو كانت عند أهلها لكانت سعيدة ولحققت أحلامها من دراسة وعمل وإنجازات، وتصبح محبطة عندما تنظر إلى وجهها في المرآة! وقد بدت معالم الكبر تظهر عليها كل هذا الأمور تؤثر عليهما، فيشعران بالتوتر والقلق، ومنهم من يفضل العزلة والانطواء، والرجل تكون المسألة أخطر لديه حيث يشعربالتوتر المستمر، ونهاية الحياة مما يسبب ردود فعل أخرى. حتى أنه قد يقوم بتغييرات جذرية على مظهره الخارجي وقد تظهر بعض علامات الاكتئاب، كالنوم الكثير، وفقدان الشهية، والاستيقاظ عند منتصف الليل - كيف تؤثر هذه المرحلة على الحياة الزوجية؟ بما أن أزمة منتصف العمر هي أزمة نفسية اجتماعية، فهي تنعكس على الحياة الزوجية، خاصة إذا كانت الحياة الزوجية منذ البداية بها مشاكل بين الزوج وزوجته، أو بين عائلته أو بينه وبين أبنائه، و كأنها تبدأ مرة ثانية تطفو للسطح. المرأة إذا لم يكن لها علاقات اجتماعية طيبة مع الأسرة والأصدقاء والأهل، و إذا لم تكن ناجحة في العمل إذا كانت عاملة سوف تتأزم أكثر، وقد تحدث لها أمراض عضوية، كالسكر والضغط، خاصة أن الدورة الشهرية تبدأ بالانقطاع ويحدث خلل في الهرمونات، وتشعر أنها بدأت تفقد أنوثتها مما ينعكس على علاقتها مع زوجها. أيضا شعور الزوج بفراغ العلاقة الزوجية الخاصة، يؤدي إلى محاولة البحث عن بديل آخر والزواج من امرأة أصغر سنًا ـ لذا في هذا السن تحدث الزيجات الثانية، أي في سن الخمسينات. - ماذا تنصحين المرأة للخروج بأمان من هذه المرحلة؟ أنصح المرأة بأن يكون لديها اهتمامات أخري، ليس معني ذلك ضرورة خروجها للعمل، بل أن تتعلم مثلًا، أن تشارك في الأنشطة المجتمعية، هذه الأمور إذا استعادتها كذكريات في منتصف العمر فستشعر بالنشوة، بأنها أنتجت ولم تذهب حياتها سدى. في هذه المرحلة على المرأة أن تهتم بشكلها وهندامها دون تكلفة، أقول لها كوني بسيطة وأنيقة، في منتصف العمر يفترض التقرب إلى الله – عز وجل - وهذا ما يزيد الطمأنينة، أقول لها ارسمي على وجهك ابتسامة، وعليك أن تفعلي وتنجزي أكثر مما تسمعي وتنصتي. الاهتمام بالأحفاد ـ على سبيل المثال ـ أمر مفيد، و يعيد الزوجين إلى بداية حياتهم و يضفي التجديد على الحياة، هذه الأزمات والمراحل لا بد من الوقوع فيها، لكن يسبقها تحقيق أهداف في مرحلة سابقة، كان علينا في حالة عدم تحقيقها البحث عن بدائل حتى لا نشعر بالإحباط وباليأس إذا ما انتصف العمر. - إذا أزمة منتصف العمر ذات إيجابية إذا أحسنا التعامل معها؟ فعلا ، يجب أن يخرج الإنسان قويا من هذه المرحلة، كلنا تواجهنا عواصف ومشاكل في حياتنا لكن عند الاسترجاع يجب أن نسترجع الايجابيات، هناك فرص أكبر لتعميق الروابط الزوجية خاصة بعد فراغ بسبب انشغال الأبناء، أقول للمرأة بوصفها الأهم بتخطي هذه المرحلة عليك أن تتسامحي وتنسي الإساءة في بداية الحياة ـ تذكري الأفضل والأحسن، ذلك سيجعل الإقبال أكثر على الحياة السعيدة. - هل من نصائح خاصة بالرجل؟ نصح الرجل بأن يكون صبورا مع المرأة، كونها تُحكم عواطفها أكثر منه وأقول له في ظل هذه الظروف نحتاج إلى التريث والصبر وليس البديل البحث عن زوجة أخرى ! زوجتك التي تعودت عليها هي الأفضل، يجب أن تلاطفها، ويخرج معها، وتتحدث معها بصراحة دون عوائق تغيرك معها يؤثر عليها كثيرًا وقد يصدمها، فهي لن تستوعب بسهولة التغير على مستويات عديدة، وفي هذه الحالة يكون الميل الأكبر لدى الزوجة هو ميل اندفاعي وغير متزن نحو الرغبة في الانفصال حتى لو داخل البيت فقط فنجدها تفضل القطيعة مع الزوج، وإذا تواصلت معه سرعان ما يتطور الحوار بينهما إلى خلاف شديد يصل لدرجة الشجار، أقول له: إن الصبر والمصارحة كفيلان بأن يعيدا المياه إلى مجاريها. - هناك عرف ومقولات ترفض أي تجديد أو تغير في هذه المرحلة على مبدأ "ليس بزمانكم"؟ للأسف هذا موجود، وينصاع له الكثير من الأزواج، يجب أن لا نهتم لما يقوله الناس، يجب أن نهتم باحتياجاتنا وما يضفي الراحة والطمأنينة على حياتنا الزوجية، فلكل مرحلة من مراحل الحياة جمالها ومميزاتها وعلينا أن نعيشها بكل ظروفها. هذه المرحلة لا يٌحرم فيها الحب والمودة والتحاور والتنزه والغزل والرفاهية، وبالتأكيد مع زيادة في التقرب إلى الله بالعبادة، و زيادة بالتواصل الاجتماعي.