يحتاج الإنسان فطرياً إلى أن يشعر بأن هناك قوة كبيرة غيبية تحرسه وترعاه يتوجه إليها حينما تشتد الأيام عليه وتحل به المصائب والكوارث، ويجور عليه الناس، فلولا هذا الإحساس، لانتحر العديد من الناس، فهذا الإحساس هو من يؤمن الناس حين فزعهم، وهو الذي يقوي من العزيمة حين نزول المصائب عليه وهذا الشعور هو من يضمن للإنسان السعادة المطلقة وراحة البال والطمأنينة. ولنتخيل معاً إنساناً قد أحاقت به مصيبة أذهبت أمواله وأولاده وأمه وأباه وإخوته وبعضاً من صحته، فلم يبق له شئ، هل كان سيصبر هذا الإنسان لولا إحساسه بأن القادم سيكون أفضل ؟؟ قطعاً لا، والعجيب أنه ربما يتجاوز محنته ويسمو في الأعالي ويسعد في دنياه أكثر من الأشخاص الذين تتوافر لديهم أسباب السعادة وهي المال والمسكن والعمل والعائلة والأم والأب والأولاد.
في الرسالة المحمدية كما في باقي الرسالات السماوية والإبراهيمية تحديداً يتوجه الإنسان في عبادته إلى الله – عز وجل – فهو القوة الغيبية التي نعتقد نحن أتباع هذه الرسالات بوجودها، ونعتقد أيضاً أنه هو من يدبر الكون ويرعاه ويرعانا معه، ويهتم بأمورنا، فلا ملجأ لنا إلا إليه، ولا مهرب لنا من قضائه، فإذا فقدنا الولد والمال والعائلة والمسكن وكل أسباب السعادة التي يبقى الإنسان العادي حياً لأجلها، إذا فقدنا كل هذا، لم يردعنا ويوقفنا هذا الأمر عن مواصلة الحياة بحلوها ومرها، لأننا مقتنعون قناعة تامة أن الله خير لنا وأبقى وأنه لم ينزل بنا كل هذه المصائب إلا لخير لنا، فالخير هو السمة العامة التي تضفي على هذا الكون والشر هو القليل الشاذ عن خطة هذا الكون، مع أننا نلحظه بشكل أكبر بسبب طبيعتنا المحدودة القدرات، ونحن أيضاً لا ندرك العلة والخير الذي سيكون وراء هذا الشر لأننا لا ننظر نظرة كلية إلى الكون ولأننا لا نستطيع أن نخرج خارج الزمان فنرى الماضي والحاضر والمستقبل وما أخفي من أمور.
لهذا توجب على كل إنسان مؤمن بالله أن يكون دائم الدعاء إليه بكل شيء يخطر على باله وبأي لغة كانت، فالله لا يعيقه لا لغة ولا لهجه ولا مكان، ولا يعيقه أن يكون الدعاء قلبياً خالصاً، فهو يعلم ما في القلوب أكثر مما يعلم الإنسان نفسه، وقد ورد الحديث من الأدعية عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي القرآن الكريم أيضاً ورد العديد من الأدعية الشاملة الوافية الكاملة وبالتالي لم يعد للإنسان أي عذر بعد ذلك حتى لا يتقرب إلى الله في دعائه وتضرعه.