03-19-2016, 01:16 PM
|
|
|
|
|
حذاء جرفته سيول الأمطار
حذاء جرفته سيول الأمطار
فجأة تلبّدتِ السماء بالغيوم ،أبْرقت..أرْعدت..اكفهرّ وجهها ، منْذِرةً بليلة شاتية حينها أسدل الليل ستائره ،في جوف هذه الظلمة البهيمة ، هبت الرياح عاتية تلوي أغصان الأشجار وتدفقت الأمطار غزيرة رهيبة ، دقت الساعة السادسة مساء موعد انتهاء الدراسة ، فرنّت الأجراس تعلن ساعة الخروج .تأبط الأطفال محافظهم وهرولوا نحو الباب مسرعين خائفين ،كلٌّ منهم ارتمى في حضن أبيه ليعودوا إلى دفء البيت وأمانه ،إلا سميرة الصغيرة كانت تقف وحيدة على قارعة الطريق وأبوها بالضفة الأخرى مع أخويها ، فضّل أن ينتظرها بعيدا عن الزحمة لكي لا تتوه عنه ، لكن سميرة أحست بحزن شديد وخوف كبير .كيف تركها وحدها تصارع هذا الغمر العجيب ؟؟.. إنه أقوى من أن تتحداه تلك الطفلة الضعيفة . الخوف ملأ جوانحها. وشعور قاسٍ اعتراها .لو كان أبوها يحبها لأتى ليحملنها مثلما فعل مع أختها وأخيها؟...لماذا يعتبرها قوية ؟؟.. أنها لسيت لهذا الحد؟؟ وقفت لحظات وهي تتساءل وتجهل الإجابات؟؟ فقط الحشرجات وتنهدات ودموع بلّلت وجنتيها ...عفوا كانت مبللة من أخمص القدم إلى رأسها التصق شعرها بوجهها وهي تبكي وتصرخ و لا أحد يسمعها . كل الناس يجرون يمينا ويسارا ولا من يحس بها . الرعب يتملكها والانهمار يزداد عنفا.تراجعت للخلف ،فكرت أن تقطعه عدوا علّها تتغلب عليه وتهزمه.أظهرت قوة الواثق من نفسه، ذاك الشجاع الذي لا ينهزم أبدا.انطلقت كما السهم جريا ، وفي وسط الطريق وهي تجذِّف برجليها ، تدفعهما بصعوبة لتشق طريقها بين طوفان المياه المندفعة بقوة ، وهي بكل قوتها تدفع وتدفع وتتقدم للأمام ،ومحفظتها بينها وملابسها لكي لا تقع منها ، تمسكت بها جيدا وهي تحميها من الماء . سارت حتى اقتربت من النجاة ، لكنها فجأة فغرت فاها بذهول ،إنها مأساة . مشكلة أكبر مما يمكن تصورها وأنتم تسمعون الحكاية ، المسكينة لا تملك غير هذا الحذاء ،هي تعي تماما فقر أسرتها ، رغم سنها الصغير كانت ذكية ، وحنونة ..رقيقة وحساسة..كانت تشعر بمدى ضآلة راتب الأب ، وكثيرا ما كانوا يكملون الشهر بالديون.
فكيف ستذهب إلى البيت وهي برجل حافية ؟ وماذا ستخبر أمها ؟؟ وغدا يوم دراسة فكيف ستحصل على حذاء لتعود به إلى المدرسة ؟؟ وكان وقتها ليلا وفي الصباح لا تفتح الأسواق باكرا؟؟
لم تتمالك سميرة نفسها ،، أجهشت في البكاء وصوتها يختنق ،نشيج يزداد ويزداد .وانحنت إلى الأرض تبحث عن حذائها الضائع ،تجول ببصرها وتنقب بيدها حتى كادت بالوعة الصرف تلتهمها . هربت المسكينة مذعورة فزعة،لم تذهب عند أبيها الذي كان ينتظرها، بل توارت عن أنظاره ،وتركته ينتظر ،لتنطلق كما البرق والرعب يملأ فؤادها والخوف يشلّ خفقاتها . ذهبت وحدها إلى البيت وهي تكاد تقع من الوجل والاضطراب والروعة تأكل قلبها الفتي.ووجنتيها احمرتا خجلا من منظرها المضحك .. رجل بحذاء وأخرى حافية.
ذكريات لا يمكن لقلب أن ينساها ،ولا اللاشعور أن يتلافاه ،تنعاد كوابس تؤرق جفناها ،كثيرا ما تعود تلك الصورة إلى عينيها ،تتأملها حلم يقظة في جوف الليل وهي تتندى عرقا من كابوس قضّ مضجعها.
وصلت سميرة للبيت قبل أبيها وأخويها ،وجدت أمها بالباب تنتظر وقد هيأت كالعادة الملابس الجافة وموقد الفحم مضرم يبعث الدفء بالبيت ،
عانقتها بحرارة وهي تبكي . ضمتها لصدرها وخففت من صدمتها ،ويا لها من مفاجئة ،لم تؤنبها ،لم تعاقبها كما اعتقدت،بل قبلتها قُبْلتها أنستها كل المعاناة ..وكم كانت سعيدة حين غيرت ملابسها وتدفأت بحضن الأم الحنونة والحرارة المنبعثة من الموقد الملتهب، لم يصل الأب حتى وجدها قد هدأ روعها واستعادت هدوءها ، لكن لاحظ عينيها كانتا كما الجمرة حمرة ، فأحس بخطئه وضمها بقوة وهو يقبل وجنتيها وجبينها معتذرا عن خطئه، ليتربع وسط الغرفة وهي على ركبته كأميرة صغيرة وصينية الشاي أمامه كما العادة في المساء، وبعد أن تجتمع الأسرة حول الشاي الفريد والعجيب الذي كان يهيؤه بخلاف عن الكل، وذاك اليوم وقد كان استثناء قدّم الكأس الأول لسميرة البطلة.
كل هذا الحنان والعطف ..لم يكن ليحلّ المشكلة في نفسية الصغيرة، إنها تحمل هموم العالم ، وتجرّ معها عربة كون بأسره ، ماذا عن الغد، كيف ستذهب إلى المدرسة حافية القدمين ، أتلبس وزرتها وتصفّف شعرها ،وتلتحق بزميلاتها حافية بدون حذاء؟؟ حقيقة إنها معضلة ولو بدت لكم بسيطة ..حينها كانت كما كارثة، أتتها من حيث لا تعلم؟ ما العمل ؟ وضعية مشكلة ومأزق لا تحسد عليه.
استيقظ الجميع في الصباح ، وطبعا استيقظت سميرة مرعوبة من هول الكارثة. لكنها تفاجأت بأمها تقبلها وبأبيها يحضنها ويقولان لها عودي للنوم بنيتي! اليوم لن تذهبي الى المدرسة ، حتى نشتري لك حذاءا أحسن منه.
كان يوما من أسعد أيامها ، قضته مع أمها ، تارة تساعدها وأخرى تلعب بدمية صنعتها من القصب ، وهي تتصور شكل الحذاء الجديد، وتبتسم فرحة بالهدية القادمة..وكم كانت دهشتها حين وصل أبوها من العمل وهو يحمل علبتين : حذاء ومعطف! والأجمل تلك القبلة التي صالحها بها أبوها حين رسمها على جبينها مقدما لها ما جلبه في كيس أحمر يبهج القلب من جماله ..أما الحذاء والمعطف فكانا أجمل بكثير.
p`hx [vtji sd,g hgHl'hv p`hx [vtji
"الاخ خيــاط"
عبارات الشكر لن توفيكم حقكم
ولو جمعت حروف الابجديات كلها
لكم سعادة تغمركم
إذا كان أجمل مافي الورد الرحيق ..
فإن أجــمل مافي الدنيـــا "الصديق"
ملاك الورد- اوراق الورد
عسى ربي يحميكم ويسعدكم
احبكم في الله
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 03:47 PM
|