قرأت مرة أن نقطة الضعف في الإنسان أنه لا يملك أكثر من عشر أصابع ولذلك هو لا يستطيع أن يحتفظ بكل شيء في يديه، وأن عليه أن يفلت الكثير كي يفسح المجال للشيء الأهم والأغلى عنده لتحتفظ به أصابعه.
العبارة ترمز إلى أننا لانستطيع أن نحصل على كل ما نريد في هذه الحياة، وأن علينا أن نختار ما يهمنا وما نراه الأنسب والأفضل لنا!!. قد يبدو هذا للوهلة الأولى صحيحا وربما رأينا في تلك العبارة حكما عقلانيا، وعددناها قاعدة سلوكية صحيحة وخارطة طريق متى اتبعها الإنسان ضمن لنفسه الصفاء والرضا طيلة حياته.
لكن عند التأمل قد نتراجع عن رأينا ذاك بعد أن نكتشف أن لاصفاء ولا رضا يمكن أن يجلبه تطبيق تلك العبارة، لسبب جوهريوهو تعذر تطبيقها بشكل صحيح، فنحن في أحيان ليست قليلة نفشل في تقدير الواقع وانتخاب الاختيار الأصوب والأفضل، فينتج عن ذلك وقوعنا في الندم فيما بعد.
من أصعب الأشياء على الإنسان أن يجد نفسه أمام لحظة مصيرية، عليه أن يتخذ فيها قراره بحسم وعزم ليفاضل بين ما يتخلى عنه وما يحتفظ به ليصحبه بقية عمره. الصعوبة هنا ليست فقط لأننا نحب أشياء كثيرة ونود أن نحتفظ بها جميعها ويؤلمنا التخلي عنها ونبذها خارج حياتنا، وإنما أيضا لأننا معرضون للخطأ في مفاضلتنا التي نبني عليها قرار الاختيار، وليس نادرا أن نكتشف سوء ما اخترنا بعد فوات الأوان، فنقع في طاحونة من الندم تمزقنا كلما تذكرنا أننا أضعنا فرصة كانت ستسعدنا أو صفقةستغنينا أو وظيفة نرتقي من خلالها أو منحة دراسية تطورنا أو غير ذلك من الفرص التي أحيانا يفلتها الإنسانمن يده ليحتفظ بغيرها مما يظنه أفضل بالنسبة له.
نحن غالبا نشكل اختياراتنا اعتمادا على المفاضلة ووزن المكاسب والخسائر التي سنجنيها مقابل قرار الاحتفاظ أو التخلي، والمفاضلة في كثير من الأحيان تكون خادعة لأننا عند مفاضلتنا بين الاختيارات يغلب علينا الوقوع تحت تأثيرات خفية من الرغبات والمشاعر وضغوط الظروف المحيطة، وهي جميعها تؤثر على دوافع الاختيار في دواخلنا، لكنا نتجاهل ذلك ونوهم أنفسنا أن اختياراتنا عقلية محضة ولابد لها أن تكون صوابا، بينما في واقع الأمر، نحن لا يقين لدينا ولا ضمان على صواب ما اخترناه بدليل أننا في بعض المرات نجد أنفسنا بعد تغير المؤثرات التي دفعتنا إلى اختيار أمر دون غيره، نادمين على اختيارنا الذي كنا نحسبه الأفضل ونود لو أن فرصة الاختيار تعود ثانية لنغير ما اخترناه ولو كانت جميع اختياراتنا وليدة قرار عقلي محض كما نظن، لظلت صوابا في عيوننا ولم نندم عليها.
مسألة أن نفلت من أيدينا كل مازاد عن قدرة أصابعنا العشر على حمله واستيعابه، ليست مسألة بسيطة، كما أنها ليست مسألة مضمونة الصواب،فكم هم الذين أفلتوا من أصابعهم أحمالا كان فيها خير لهم لكنهم عموا عن رؤيته وأفسحوا مكانا لأحمال بديلة ظنوا فيها الخير، ثم ما لبثت الأيام أن كشفت عنها الغطاء فرؤوا سوءات اختيارهم بعد ما فات الأوان!!*