03-12-2016, 01:16 AM
|
|
|
|
حديث(عليك بتقوى اللهِ ما استطَعْتَ واذْكُرِ اللهَ عندَكُلِّ حَجَرٍ وشَجَر
قُلْتُ يا رسولَ اللهِ أوصِني قال عليك بتقوى اللهِ ما استطَعْتَ واذْكُرِ اللهَ عندَ كُلِّ حَجَرٍ وشَجَرٍ وما عمِلْتَ من سوءٍ فأَحْدِثْ للهِ فيه توبةً السِّرُّ بالسِّرِّ والعَلانِيَةُ بالعَلانِيَةِ
الراوي :معاذ بن جبل| المحدث : مجمع الزوائد
الصفحة أو الرقم: 10/77 خلاصة حكم المحدث :إسناده حسن
هذه الوصية الكريمة التي تطلَّع إليها معاذ رضي الله عنه، وقد كان من هدْي الصحابة رضي الله عنهم - وبخاصةٍ مَن يَفِد إليه عليه الصلاة والسلام - أن يتطلَّعوا إلى وصايا كريمة، فكثيرًا ما عُرِض عليه - عليه الصلاة والسلام - القول: أوصِني يا رسول الله، وكان من جملة ذلك ما طلبه هذا الصحابي الكريم، ومعاذ من المعلوم رُتبته في الصحابة في العلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم موصيًا: ((عليك بتقوى الله ما استطعت))،
وهذا يُبين شدة حاجة الإنسان إلى تقوى الله جل وعلا، كيف وهي وصية ربنا سبحانه لعموم عباده في كتاب العزيز، فقد تكرَّرت وصية الله بالتقوى في مواضع عديدة،
وقد قال العلماء في معنى التقوى: أن يجعل الإنسان بينه وبين عذاب الله وقاية؛ بفعل أوامره، وترْك نواهيه،
وقال بعض العلماء أيضًا وهو مؤدٍّ لهذا المعنى: إن المعنى ألا يراك الله حيث نهاك، ولا يَفقدك حيث أمرَك،
والإنسان بحاجةٍ إلى ملازمة هذا الأمر، وبخاصةٍ مع تسلُّط الشيطان، وأيضًا ما يكون من إصرار الهوى والنفس الأمَّارة بالسوء، وقد جاءت هذه الوصية أيضًا في موضعٍ آخرَ حينما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا وهو خارجٌ إلى اليمن؛ حيث أوصاه بمثل هذه الوصية، أو بنحو منها، أو على قربٍ من ألفاظها، وقال عليه الصلاة والسلام: ((اتَّق الله حيثما كنت))،
فالإنسان لا ينفك عن حاجته لتقوى الله سبحانه في أي لحظةٍ من زمانٍ أو مكان، عليك بتقوى الله ما استطعت، ومما يُعين الإنسان على أن يكون ملازمًا لهذه الوصية أن يَستشعر مراقبة الله تعالى، فإن المؤمن الذي استقر في قلبه إيمانه بالله تعالى وبأسمائه وصفاته، وأن الله يسمعه ويراه، وأن الله تعالى مطلعٌ على سره ونجواه، وأنه جل وعلا قادرٌ عليه؛ كما قال سبحانه(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) [ق: 16].
إذا استشعر المرء هذه الأمور، فإن هذا يُعينه كثيرًا على أن يكون ملازمًا لطاعة الله جل وعلا، مبتعدًا عن معصيته، وإنما يُصاب أحدنا حيث يصاب بالذنب والخطيئة، حينما تناله الغفلة، ويبعد عنه استشعار المراقبة، فإن الإنسان حينئذ يَنزلق فيما يُسخط الله جل وعلا؛ ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب النُّهبة حينما ينتهبها وهو مؤمن)).
والمعنى كما جاء مفصلًا أن الإنسان الذي يقع في هذه الأمور العظام، وفيما يُسخط الملك العلام
، إنما هو بُعد المراقبة عنه، واستيلاء الغفلة على قلبه،
ولذلك فإن الإيمان حينئذ يكون مُنخلعًا عنه، كما يخلع الإنسان الثوب، ويفسخه عن نفسه؛ ولذلك يزول عنه في هذه اللحظات الإيمان الذي يمنعه ويردعه عن أن يقترف ما يُغضب الله جل وعلا،
ولكم أن تتأملوا في حال تلك المرأة التي اضطُرَّت إلى المال، فسألت رجلًا فلم يزَل يُراودها حتى إذا خلا بها، قالت: والله إني لم أعمل هذا العمل في حياتي يومًا قط، فلا تَفضَحني، ولا تُطلِعْ علينا أحدًا، فقال: ما تركت من بابٍ من بيننا وبين الناس إلا أغلقته،
قالت: لكن بقِي بابٌ لم تُغلقه وهو الباب الذي بيننا وبين الله، فاستحضر الإيمان وارتعدت فرائسه، وقام عن الإثم والخطيئة بعد أن كان مواجِهًا لها، وموشكًا على اقترافها، وإنما ينفر الإنسان عن مثل هذه الخطايا بعد قدرته عليها ودعاء النفس والهوى إليها، إنما ينفك عنها ويبتعد إذا استحضر مراقبة الله جل وعلا، والمقصود أن تقوى الله سبحانه وتعالى هي خير الزاد للإنسان، ففيها فلاحه في الدنيا والآخرة، وفيها قُربه من ربه جل وعلا.
ومن وصل إلى حقيقة التقوى، فإنه ينال عند الله منزلةً عُليا، ويكون عند الله سبحانه وتعالى وليًّا،
ألم تتأمَّلوا في قول ربنا سبحانه في شأن مَن هذه منزلته، ومَن يراقب الله تعالى حقَّ المراقبة:
(مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب)، إلى آخر الحديث القدسي،
وفيه قول ربنا جل وعلا: (ولئن سألني لأُعطِيَنَّه، ولئن استعاذني لأُعِيذَنَّه))، إلى آخر الحديث القدسي.
فيبلغ الإنسان هذه المنزلة العالية، فينال - مِن انشراح الصدر، وطيب الحياة، وسرور الخاطر - ما لا يمكن وصفه، وما لا يمكن تحصيله بكنوز الدنيا.
إنها الطُّمَأنينة التي يُنزلها الله في قلب عبده في حال حياته ومراحلها كلها، وفي حال لحظات انتقاله من هذه الحياة الدنيا؛ حيث يقول ربنا جل وعلا مبينًا هذه المنة العظمى:
( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت: 30 - 32].
فهذا هو الركن الأول من هذه الوصية العظيمة، وعليه يُبنى ما بعده؛ ولذلك جاء عقب هذا الركن الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم: (واذكر الله عند كل حجرٍ وشجر))،
عند كل حجر، قال العلماء: المراد بذلك السفر، وعند كل شجر المراد به الحضر، وقيل: أُريدَ به الشدة والرخاء، فالحجر عبارة عن الجدب، والشجر كناية عن الخصب،
والأمر أعم من ذلك، وهو أن يذكر الإنسان ربه جل وعلا عند كل حجرٍ وشجر، وعند كل لحظةٍ، وفي كل مكان، فالمقصود هو ملازمة ذكر الله جل وعلا، والنبي صلى الله عليه وسلم حين يقول لمعاذ وللمسلمين عمومًا بعد أن أوصى بالتقوى: ((اذكر الله جل وعلا عند كل حجرٍ وشجر))
- يريد بذلك عليه الصلاة والسلام أن يُدرب المسلم على تحقيق التقوى؛ إذ إن التقوى إنما تتحقق حينما يستحضر الإنسان ذِكر ربه جل وعلا؛ لأن الغافل الذي لا يذكر الله، يستولي عليه الشيطان، ويكون على قلبه الران الذي يمنعه من استشعار عِظَم الآثام والخطايا، ويَجعله مندفعًا إليها بلا مراقبة،
لكن المؤمن الذي يذكر الله تعالى في كل لحظاته، يُدرك أن الله جل وعلا الذي يعلم السر وأخفى، الذي لا تَخفى عليه خافية، الذي أحاط بكل شيء علمًا - أنه جل وعلا مطلع عليه، فحينئذ يستحيي من ربه جل وعلا أن يَقترف ما يُغضبه وهو يتقلَّب في نَعمائه، فمهما نظر فهو على نعمة من ربه جل وعلا، فكيف يعصيه؟ وكيف يُسخطه؟
.....
وتأمَّلوا أيها الأخوة في تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على أسلوب التوبة،
وهو السر بالسر، والعلانية بالعلانية؛
قال العلماء:السر يعني: فعل القلب، والعلانية: المعني بذلك فِعل الجوارح، فيقابل كل شيءٍ بمثله.
فمن أخطأ في سر ولم يَستعلن بذلك، فليتب إلى الله سرًّا، ومن استعلن بذنبٍ أو خطيئة، فيجب عليه أن يُعلن أنه تاب من هذا الذنب والخطيئة، فمثلًا بعض الناس آثامهم وذنوبهم مُعلنة، مُشهرة مُجاهَر بها؛ كالذين يغنون على المسارح، أو الذين يتعاطون الآثام ومقدمات الفواحش؛ كالمغنيين والفنانين، وأمثالهم من الممثلين والممثلات، فمثل هؤلاء توبتهم يجب أن تكون علانية، وأنهم تركوا هذا الطريق الخاطئ، وهكذا لو أن إنسانًا يروِّج مخدرات، وعُرِف بذلك واشتَهر، فإنه يعلن أنه رجع عن هذا الطريق، أو أن إنسانًا قد تلبَّس بفكرٍ ضال، ومسلكٍ منحرف في تكفير المسلمين والخروج على وُلاتهم، فيجب عليه أنه كما أعلن ذلك ابتداءً أن يُعلنه انتهاءً.
السر بالسر والعلانية بالعلانية؛
لأن الذنب والإثم والخطيئة الذي يفعله الإنسان جهرًا، قد يغتر به كثيرٌ من الناس ويُتابعونه ويُقلدونه، فإذا رجع سرًّا ولم يُعلن ذلك، ربما بقِي مَن تأثَّر به، وقلَّده على نفس المسلك الخاطئ، لكنه إذا أعلن وقال: إني رجعت عن هذا الطريق لخطئه وإثمه، فإن هذا يؤثر في أولئك الأتباع الذين تأثَّروا به، وهذا أمرٌ مشاهَد؛ إذ إن الذين يُعلنون توبتهم بعد أن أعلنوا آثامهم، يتأثَّر بهم الناس، فيُسرعون في توبتهم ورجوعهم إلى الله جل وعلا!
p]de(ugd; fjr,n hggiA lh hsj'QuXjQ ,h`X;EvA hggiQ uk]Q;Eg~A pQ[QvS ,aQ[Qv hggiE hggiA hsj'QuXjQ fjr,d p]deugd; pQ[QvS uk]Q;Eg~A ,h`X;EvA ,aQ[Qv
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 08:58 PM
|