وفدت الكتابة العربية على البلاد المغاربية على يد الفاتحين العرب سنة 50 هـ/ 670 م، حين وجه الخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عامله وقائد جيشه عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه إلى بلاد البربر لفتحها ونشر الإسلام بين القبائل البربرية، الذين كانت لهم كتابة خاصة بهم تعرف باسم تيفناغ لا تزال مستعملة حتى الآن لدى سكان الطوارق بالجزائر.
تاريخ الخط الأندلسي
ومع بعثة الفاتحين العرب، وصل الخط إلى النقطة المحورية الجديدة (القيروان) في عصر بني أمية، في القيروان وقع استخدام الخط الحجازي والكوفي، ثم استقلوا بالكوفي المنسوب للقيروان (الكوفي القيرواني ذي الحروف المستطيلة المزوَّاة). وفي الأندلس وقع استعمال الخط الشامي إلى جانب الخط القيرواني في مصاحفهم ورقاعهم ومراسلاتهم، وقع تقبُّل الخط القيرواني فطوَّروه وأدخلوا عليه ليونة جديدة جيدة، ميزته عن المألوف وولدوا خطاً أسموه بالخط الأندلسي أو القرطبي، بالرغم من أن المسلمين الأولين كانوا يكتبون بالخط المشرقي [1]. إن ظهور الخط الأندلسي في العهد الأموي كان مظهراً من مظاهر استقلالهم عن المشرق، يقول ابن خلدون: "وتميز ملك الأندلس بالأمويين، فتميزوا بأحوالهم في الحضارة والصنائع، وتميز صنف خطهم الأندلسي كما هو معروف الرسم لهذا العهد". إن العصر الذي تم فيه الاندماج بين الأندلسيين والمغاربة كان عصراً غلب عليه الخط الأندلسي وانتشاره في بلدان المغرب. لم ينته الخط الأندلسي بنهاية الأندلس الإسلامية، وإنما ظل مرجعاً معتمداً بعد ذلك في المغرب الأقصى، الذي احتضن تراث الأندلس، ومنه الخط وما يتعلق به. وأخذ الخط الأندلسي يطغى على القيرواني في ظل الحكم المرابطي، وظهر في هذا العصر خطاطون على الطريقة الأندلسية بين مغاربة وأندلسيين استوطنوا المغرب، وقد أدت مزاحمة الخط الأندلسي للقيرواني إلى حدوث منافسة بين الخطين [2]. الكتابة الأندلسية .. رافد جديد
تخضع الكتابة الأندلسية لنسبة هندسية هامة مع حسن فائق ورونق آخذ بالعقل وترتيب يشهد بكثرة الصبر والتجويد، يظهر الخط الأندلسي مقوس الأشكال، والسطر العمودي هو دعامته، أدق من السطر الأفقي. تتجمع الحروف القصيرة والمستديرة على شكل الخط الإفرنجي القديم (على رأي هوداس). وقد بلغت كتابة المصاحف عند أهل الأندلس من الكمال وحسن الخط ما لم تدركه من قبل ولا من بعد. والنتيجة الطبيعية لجودة الخط أن ألقى الخط بظلاله على المخطوطات، لتأتي دُرَراً ناصعة في أناقتها وجودة كتابتها. ولعل من أجمل المخطوطات الأندلسية صفحة من مجموعة الدكتور مارتين بمدينة فلورنسا بإيطاليا مكتوبة بالخط الأندلسي الجميل. أخذ الخط الأندلسي يكتسح المراكز المنافسة عبر المغربين إلى منطقة القيروان [3]، إن البنية العامة لهذا الخط هي بنية لينة، تميل إلى التقويس والاستدارة أكثر منها إلى الاستقامة، وقد انتظمت فيها الحروف انتظاماً مركزاً مدروساً ولّد حركية أفقية نتيجة انبساط الحروف على السطر وتكاملها مع صواعدها. أما الفراغات، فقد تنوعت وتوازنت في التماع حركي أحدث إيقاعاً بصرياً متكاملاً. التوسع والانتشار
تحول الخط الأندلسي إلى المغرب، وفي مدينة فاس استقر وتفرغ. تقبلت فاس الخط الأندلسي فحافظت عليه وطورته بذوق جديد وجمالية متفردة. برع الخطاطون بفاس في خطهم، فكان أسلوباً فريداً في روعته. حروفه تميل قوائمها نحو اليمين، عكس الخطوط العربية، ويمتاز بتباين سمكه وليونته المناسبة بلطف وقوة وجمال. ويمتاز الخط الفاسي باستدارات في حروف النون والباء الأخيرة والواو واللامات والصاد والجيم وما شابه ذلك، بقي الخط الفاسي كما هو تقريباً. وقد فقد قليلاً من أشكاله المتحررة وكسب مظهراً أكثر بساطة لما اقتبس من الأندلس رتابة في تناسق الحروف [4]. حروفه دقيقة الرسم وبعضها لا يكتب إلاّ بثلث القلم. وهذا الخط يمتاز باستلقاء الأحرف وامتدادها وله من الأناقة حظ كبير، بفضل طول الأسطر العمودية الذي كاد يبلغ حد الشطط والتباعد بين الأحرف التي تمتد أشكالها بنوع من الوفرة. والأسطر التي اتحد حجمها ورقّ مظهرها قليلاً، تندفع في كثير من الجرأة وتبدو لأول نظرة على تناسق كبير. وقد زاد الذوق الفاسي في الإجادة الفنية ما اكتمل به جانب الإتقان والتفنّن. ولما انتشر الإسلام على يد أهل المغرب في السنيغال وفي شرقها (السودان الغربي وتمبكتو)، انتشر هناك خط متولد من الخط المغربي الأندلسي في أنحاء السودان يسمى "الخط التمبكتي"، وهي المركز العلمي الرابع للمغرب. المدرسة المغربية وبعض خصائص حروفها
تمثل هذه المدرسة المغرب والأندلس، وقد جودت الخط الكوفي في القرون الخمسة الأولى للهجرة. وعندما ليّنته لأغراض التدوين، حافظت على عدة حروف منه على حالتها في الكوفي. وكانت أنواع الخطوط قليلة وفروعها ضئيلة، وليس لها قواعد تضبطها. ولعل من العوامل التي قيَّدت الكتابة المغربية تفرعها عن الكوفي الجاف وتحجرها على كثير من رسومه وآثاره. فلم تبتعد عنه، بل تكتب بشكل واحد في الابتداء والتوسط والتطرف. والكتابة المغربية -في أصله-ـ نجدها موزونة ومتناسبة (للألف) باستثناء العراقات التي تشتط في التقويس وكبر الحجم وكذلك رأس العين بالنسبة لعراقته وكانت منبسطاتها مستقيمة أو منكبة [5].
أنواع الخطوط المغربية
يقول ابن خلدون: "حصل في دولة بني مرين بالمغرب الأقصى لون من الخط الأندلسي". ثم يوضح أن هذا اللون من الخط إنما هو الأندلسي المتمغرب، حيث أخذت الكتابة تكتمل مغربيتها من عصر بني مرين إلى أن صارت متميزة عن الخط الأندلسي في وضعها وفي إغفال نقط الحروف الأخيرة وفي عدم تقطيع حروف الكلمة الواحدة بين آخر السطر وأول السطر التالي. إي نعم! في هاته الفترة الأخيرة ضبط الدارسون للخط المغربي وجود مدارس لهذا الخط نسبت إليها: 1- الخط القيرواني: خاصيته أن تظهر حروفه قصيرة وقريبة من بعضها على خط التناسق، والنقط الموضوعة على كل الحروف النهائية، تمثل بياناً يميز الخط بين القيرواني وغيره.
2- الخط الأندلسي: هو من بين أنواع الخط المغربي أسهلها تعرّفاً، حيث أن السطر العمودي هو عامة أدق من السطر الأفقي. وتتجمع الأحرف القصيرة والمستديرة على شكل كثيف جدّاً، وتكوّن مجموعات الأسطر غالباً ما تأتي متقاربة، فـ»ياء« آخر الكلمة توضع نقطة فوق جزئه النهائي بدلاً من أن توضع تحته، تجمع الكلمات هنا أكثر التحاماً منه في القيرواني والفاسي.
3- الخط الفاسي: له من الأناقة الحظ الكبير بفضل طول الأسطر العمودية الذي كاد يبلغ حد الشطط والتباعد بين الأحرف التي تمتد أشكالها بنوع من الوفرة، والأسطر التي رقّ حجمها ومظهرها قليلاً فتبدو على تناسق كبير.
4- الخط السوداني: شكله جاف. أشكال الحروف الثقيلة هي نهاية في عدم التناسق. الأسطر كثيفة أحياناً ودقيقة أحياناً أخرى. ترتفع الأسطر العمودية إلى علو كبير لا تناسب بينه وبين غلظة الكتابة. وشكل القفلات وانحدار الكتابة العامة قوي البروز [6]. أنواع الخطوط المغربية الموجودة الآن
استقر الخط الأندلسي المتمغرب في خمسة أنواع وأشكال:
1- الخط المبسوط: سمي بهذا الاسم، لبساطته وسهولة قراءته وبه تطبع المصاحف المغربية الشريفة على المطابع الحجرية.
2- الخط المجوهر: وهو أكثر الخطوط المغربية استعمالاً، به تحرر الرسائل الخصوصية والعمومية والمراسيم السلطانية والظهائر الملكية. يكثر استعماله حيث طبعت به الكتب العلمية في المغرب. نعت بالمجوهر نسبة لعقد الجوهر، لجماله وتناسب حروفه وتناسق سطوره.
3- الخط المسند: أو الزمّامي وهو خط خاص بالوثائق العدلية والمذكرات الشخصية والتقييدات الذاتية.
4- الخط المشرقي: هو خط مقتبس من الكتابة المشرقية وبخط الثلث خاصة، ولكن اليد المغربية تصرّفت فيه ومغربته. فكان الذوق المغربي قد أضفى عليه مسحة محلية. بهذا الخط تزخرف عناوين الكتب وتكتب عادة الحروف غليظة متداخلة بعضها في البعض، وأحياناً يكتب به بماء الذهب. ولا تزال إلى اليوم نماذج منه في الوقفيات الرخامية على جدران المدارس المرينية بفاس ومكناس وسلا. سمي بالمشرقي، لأن أصله من بلاد المشرق.
5- الخط الكوفي: وهو خط وُجد في المصاحف القديمة. وُجد منقوشاً على الحجر وأبواب بعض قصبات المغرب وفي المساجد العتيقة، وهو خط خاص تكيّف مع الوضع المغربي. وهذا الخط ورثه المغاربة في جملة ما ورثوه عن الحضارة الأندلسية [7]. طبيعة السطر المغربي
إن العلامة التي تطبع الكتابة المغربية أن طبيعة السطر هي الطابع الأكثر شمولاً للأمثلة المغربية؛ مثلاً: حواشي السطر المغربي مدعوكة عوض أن تكون ذات جوانب حادة وجلية، قلّما تأتي السطور العمودية من ا. ل. ط. ظ. مستقيمة، وتتخذ لها شكلاً منحنياً وتحمل في طرفها الأعلى شيئاً كالنقطة الغليظة.
ومأتى هذه الخاصية الأخيرة التي تلاقيها في بعض الخطوط المستقيمة قلة مائعية الحبر الذي كان يستعمله المغاربة لكأنهم مضطرون إلى أن ينقطوا بالقلم قبل الشروع في رسم الحرف.
إن الخطاط المغربي لا يخط دون توقف إلا سطراً أو سطرين. وهذه العادة العامة كانت عامل الربط بين الحروف المكونة للجموع قريبة من البيئة دائماً. تارة تفصل الحروف (بياضات) وتارة يعلو سطر الربط الحرف الذي يجب أن يتصل به. وقد لا نفهم أشكال بعض الحروف، ومن بينها ع. غ وسط الجموع.
لا يخط في الكتابة المغربية (السنية) العمودية التي تنتهي (ص. ض) في وسط الكلمة أو في أولها. تتخذ أواخر الحروف دائماً امتداداً مبالغاً فيه في: ش. س. ص. ض. ل. م. ن. وقلّما توضع نقط الحروف النهائية في: ف. ق [8].
إن الكتابة المغربية اقتصرت على المصاحف القرآنية وبعض الزخارف الخطية المزينة للعمارة الإسلامية في الساجد خاصة المنحوتة على المرمر. وقد عمل كتّاب المصاحف على انتشارها وبقيت صامدة إلى يومنا هذا.
ويعود الفضل الكبير للمحافظين على هذا التراث الكتابي في المخطوطات الموجودة في المكتبات المنتشرة في مدن المغرب وقراه ولدى المؤدبين والكتّاب والإداريين وعدول الإشهاد، والطموحات متاحة إلى ضبط خاصية هذا الخط وتحديد مقاييسه واستخلاص قاعدة ثابتة لأبجديته العامة، كل حرف على حدة. وهو أمر موكول للباحثين والدارسين معاً.
المراجع:
[1] المقري التلمساني: نفح الطيب، 2/ 123. محمد الشريفي: خطوط المصاحف (أطروحة جامعية)، الجزائر، 1975م.
[2] ابن خلدون: المقدمة، ص956 – 957، 367.
[3] محمد المنوني، لمحة من التطور، المجلة التاريخية المغربية، تونس، جويلية، 89، العددان 53 و 54.
[4] محمد الشريفي، خطوط المصاحف، مرجع سابق.
[5] المرجع السابق. محمد الشريفي: قضايا الخط العربي، المجلة العربية للثقافة، السنة 12، العدد 23، تونس، سبتمبر 1992م.
[6] محمد المنوني: الوراقة المغربية، الرياض، 1991م.
[7] هوداس: محاولة في الخط المغربي، تعريب عبد المجيد التركي، حولية الجامعة، تونس، العدد 3.
[8] علي ناصف الطرابلسي، تحليل تشكيلي لمخطوط قرآني لابن غطوس، أطروحة شهادة التعمق في البحث (مخطوطة)، تونس، 1983م.