الحمد لله الذي ألَّف بين قلوب عباده المؤمنين؛ فأصبحوا بنعمتهِ إخوانًا، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّه محمَّدٍ وعلى مَن كانوا له في الحقِّ أنصارًا وأعوانًا.
وبعدُ، فقد أمر الله المؤمنين بقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]. وقال سبحانه: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]. وفي الآية الأخرى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52]. وهذا خبرٌ مُراد به إنشاءُ الأمر كما في آية آل عمران، وإلاَّ فقد افترق النَّاس وافترقت الأمَّة، بل قال اللهُ تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المائدة: 48]، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118].
وفي حديث العِرباض بن سارية المشهور عند أبي داود والترمذي وغيرهما، قال رسول الله : "إنَّه من يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسُنَّتي وسنَّة الخلفاء الرَّاشدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنَّواجذ" الحديث.
والواجبُ أن يلتزمَ المؤمنون أمرَ الله فيكونوا جميعًا من الأمة الواحدة التي أرادها الله، الأمَّةِ المؤمنةِ الآخذة بالكتاب والسنة، الموفَّقةِ للسَّير على نهج سلف الأمَّة، وما كان عليه الأئمَّة، وأن يترُكوا سُبُل الأمم الأخرى، ولا سيَّما في هذا الزمن الذي تداعت فيه الأمم على أمة الإسلام، كما تداعى الأَكَلَةُ على قصعتها.
ومَن نظرَ علمَ أنَّ الأمة يُكادُ لها: في السودان وفي الصومال وفي العراق وفي أفغانستان وفي اليمن وقبل ذلك في فلسطين، ويُقصدُ إلى تفرقتها وتجزئتها في غير مكان، ولا سبيلَ لصَدِّ العدوان ومواجهة مخطَّطات التَّفرقة، إلا بأن تعتصمَ الأمَّةُ بكتاب ربها وسنة نبيِّها على فهم الصَّدر الأول، فَهْمِ سلف الأمة من الصَّحابة ومَن بعدهم من خير القرون، الذين فقهوا عن الله مراده، وعن الرَّسول رسالته؛ وبذلك نهضوا فكانوا أمَّةً واحدة، شرَّقَتْ وغرَّبَتْ ففتحت الآفاق، ونشرت الضِّياء، وأهدت للبشريَّة الرَّحمة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
فهلاَّ اجتمعنا مؤتَسين بهم، متَّبعين طريقهم؛ لنسودَ كما سادوا، فبهذا تصلُح الأحوال، وإنَّه لن يصلُحَ آخِرُ هذه الأمة إلا بما صَلَحَ به أوَّلها: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزُّخرف: 43، 44].
فعليكم بكتاب الله وسُنَّة رسوله وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعده، عضُّوا عليها بالنَّواجذ، كما في حديث العرباض بن سارية المتقدِّمةِ الإشارةُ إليه. واللهَ نسألُ أن يجمع المؤمنين على أسباب العزَّة: الكتاب والسُّنَّة، والله المستعان.