بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدلله علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم
والصلاة والسلام على النبي الأمي الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد
فليس هناك مقارنة بين عمر الكلمة الصالحة الخالصة
وعمر قائلها أو كاتبها ؛
فهي أطول منه عمرا وأكثر بقاء .
وليس ذلك لكل كلمة وإنما للكلمة الصالحة
الخالصة
فبعض الكلمات تموت من حين أن تقال
وبعضها تموت في نفس صاحبها
وبعضها تموت بعد عدة أيام أو شهور أو سنين ؛
وبعضها تبقى قرونا كثيرة
وقد تبقى إلى قيام الساعة . والمقصود لا تظن أنك تخاطب بكلمتك من يسمعك اليوم
أو من يقرأ لك اليوم ؛
بل تأكد أن الكلمة الصالحة أيا كان نوعها
وفي أي سياق كانت
سواء كانت قصيدة أو موعظة
أو رسالة ستبقى ولو لم يعرف الناس قائلها ؛
فالله يعلم القول وقائله .
ولاشك أن المكتوب يبقى أكثر من المقول ؛
وقد أحسن من قال :
والخط يبقى بعد صاحبه زمنا
وصاحب الخط تحت الأرض مدفون ومع انتشار الكتابة اليوم
وبلوغها الآفاق بضغطة زر
تزداد الحاجة للكتابة الصالحة الخالصة
التي تخاطب القلوب والعقول
وتنقل العلوم والمعارف النافعة .
وكم من كتاب أو مقال كتبه عالم
أو طالب علم أو داعية خير
لم يُنظر له في زمانه ولم يُؤبه به في آوانه .
فلما تصرمت السنون وتوالت القرون
وإذا بكتابه يجوب الآفاق
ويذكر في كل مجلس ومكان .
وما ذاك إلا من آثر رحمة الله به
فالله أعلم بنفوس عباده وبما يصلحهم
فقد يكون انتشار علمه في وقته وظهور ذكره
في زمنه سبب فتنة له وشر عليه
فوقاه الله شر ذلك وحفظ عمله له
وأظهره في زمان غير زمانه
فلا يضره ثناء الناس عليه
لأنه لا يسمعه ولله الأمر من قبل ومن بعد .
والمؤمن لا يعدم الخير
وطالب العلم قد تعرض له فوائد وفرائد
وفتوحات لم تفتح لغيره ولم تتيسر لسواه
ولو كان غيره أكثر منه علما وحكمة وفضلا ؛
ومن تأمل سعة خزائن الله
علم أن ذلك ممكن غاية الإمكان متيسر غاية التيسير .
فلا تحرم نفسك من خير تكتبه
أو علم تنشره ؛
ولا تقل من أنا ؟!
ولكن قل الله هدانا والله أعطانا !
وتذكر قول الله :
( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة
فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب ).
وكم من طالب علم زهد في كتابة ما يفتح الله به علي
ه فما أفاد ولا استفاد .
فإن كنت تخشى من خطأ في قولك
وتخاف مغبة ذلك
فأعرضه قبل نشره على أهل العلم الربانيين
عرض مسترشد طالب للفائدة
لا عرض مستكبر متفيقه متشدق ؛
فإن أجازوه فالحمدلله ؛
وإن ردوه فقد استفدت العلم بخطئك .
وتأملوا كم حفظ الزمان لنا من قصائد قيلت منذ زمن بعيد جداً
ولا يزال الناس يرددونها مواعظ يعظ بعضهم بعضا بها .
بل تأملوا في حال العلماء القدامى
الذين لا تكاد تذكر مسألة علمية اليوم
إلا ويذكر قولهم ؛ثم لنسأل أنفسنا ؟!
هل كان يظن أولئك العلماء رحمهم الله
يوم كتبوا علمهم أن هذا العلم سيبقى إلى هذا الوقت وسينتشر بهذه القوة .
لا شك أنهم مهما توقعوا
لم يتوقعوا أن يصل إلى هذا القدر ؛
لكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
والله ذو الفضل العظيم .
فإن لم يفتح لك في الكتابة
ولو بقدر يسير
فلا تظن أن نقل الخير من كلام غيرك
مع حفظ أمانة النقل أمر هين أو عمل لا قيمة له .
بل هو والله من التجارة الرابحة مع صلاح النية ؛
فلك مثل أجر كاتبه لا ينقص ذلك من أجره شيئا .
ختاما :
إن نسيت فلا تنسَ قول الحبيب المصطفى
والنبي المجتبى صلى الله عليه وسلم :
( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث
صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ).
فابحث من الآن عن سبيل تُطيل به عمرك
حتى لا تنقطع حسناتك بموتك .
وهنيئا لعبد إذا مات ماتت سيئاته معه
ولم تمت حسناته بموته .