02-07-2016, 06:11 PM
|
|
|
|
|
أشعر به بيننا
بعد مرور 3 أشهر على وفاة أبنه ذو الـ 8 أعوام في حادث سيارة كان عمار يعيش الذكرى .. يعيش طفلً لم يكبر بعد .. يبكي ذريته التي فُقِدت , لا يخرج من المنزل .. لا يقابل أحد .. لا يذهب إلى العمل .. بل حتى زوجته لا يكلمها وكأن الزمن توقف به بتوقف أنفاس أبنه , يلوم الأقدار والأيام والدهر وكل شيئا يمت للحياة بصلة .. لا يريد الخروج من ذكراه .. لا يريد نسيان طفله .. يشعر به حياً لم يمت بعد .
رغم عظم المصيبة والبلاء ألا أن زوجته لم تكن سعيدة بحالته التي وصل إليها , كانت تحاول جاهدةً مساعدته وأخراجه مما هو منغمسا بداخله ولكن بلا فائدة وكأنه تأقلم في عالمه الجديد الذي يعيشه ويشاهد في خياله الطفل الذي رحل عنه .
ذات يومً عادت الزوجة من عملها وطلبت منه أن يذهب معها إلى منزل زميلتها "الموظفة الجديدة" التي تعرفت عليها لتو وطلبت منها الحضور لتناول وجبة العشاء معها وزوجها , ورغم أن عمار كان الرفض هو الجواب كعادته ويفضل المكوث في بيته ورؤية طيف أبنه ألا أن زوجته ظلت تلح عليه وتلح إلى أن وافق نهاية الأمر .
وبالفعل ركبوا السيارة في طريقهم متجهين إلى المكان المنشود ألا أنهم توقفوا عند أحدى أشارات المرور والتي كانت خالية من أية مركبةً عداهم , لم تمض ثوانً قطع بعدها عمار الأشارة وهو يلتفت يمينا ويسارا وكأن شيئا أفزعه ! ما أثار فضول زوجته التي سألته بدورها :
- ما بك قطعت الأشارة ؟
عمار :
- لا , لا شيء !
قليلا ثم سألها سؤالً غريبا :
- هل .. هل رأيتي الطفل ؟
الزوجة شعرت بأنه يتكلم عن أبنهما مما جعلها تصاب بالحنق , وقالت له :
- هل تعني أبننا !
أجابها عمار والغرابة بين كلماته :
- لا .. لا , كان هناك طفلً غريب الشكل متوقفا عند الأشارة ثم أقترب من السيارة وهذا ما جعلني تحركت !
الزوجة المندهشة قالت :
- أي طفــل ؟
عمار :
- ربما أشتبه علي الأمر فالشارع كان مظلمــا .
الزوجة :
- لا أدري .. ربما!
وصلوا إلى المكان وزوجته لم تشعر بالأمان من هواجس عمار وحكاية الطفل الذي خُيل له بأنه رآه , جلست زوجته مع زميلتها في غرفة الضيوف يتحدثون ويأكلون .. بينما عمار مع زوجها جلسوا في غرفة أخرى لا يتكلم كثيرا منشغلً بأبنه الذي قضى تحت العجلات دهسا في لحظات الغروب .
وبعد مرور الوقت همــوا بالمغادرة ألا أن المرأة أصرت عليهم برؤية منزلهم , وبالفعل كانوا يتنقلون بين الغرف حتى دخلوا غرفة طفــلً صغير قد عُلِقت صورته على الجدار , فسألتها زوجة عمار :
- لمن هذه الغرفة ؟ ومن هذا ؟
أجهشت المرأة بالبكاء وقالت لــها :
- أنه أبنــي ! ولا زال موجودا فيها .. لا زال يلعب هنــا .. لازال يُنشدُ في هذا المكان .. لا زال مستلقً على السرير ...
... قبل أن تكمل قاطعها عمار يذرفُ دموعا هو الآخـر وينادي زوجته لمغادرة المنزل , أمسك بيدها وخرج معها وركب السيارة عائدا إلى بيته .
كانت زوجته طوال الطريق توبخه وتصرخ عليه لتصرفه الغير مفهوم والذي لا ينمُ عن خلق .. بينما عمار منغمسا في دموعه لا يدري بمن حوله حتى وصلوا المنزل , ألا أن زوجته لم تتركه كانت غاضبة وأرادت أن تضع حدا لهوسه .. كانت غاضبة من كل شيء .. غاضبة على حالته وتصرفاته .. غاضبة على وحدته وحزنه , فقالت له :
- ما بك ؟
- ما الذي جرى لك يا عمار ؟
- هل نظرت إلى المرآة ورأيت نفسك ؟
- أنت لست أنت !
- أبننا توفي وهذا قضاء وقدر .. أنني أمه وأشعر بفراغه في المنزل ولكن يجب أن نستمر في حياتنا , عد إلى رشدك ووعيك .. عد كما كنت سابقا فهذه ليست بحياة التي تعيشها وجعلتني أعيشها معك .
ظل عمار في حالة بكاءه ثم نظر إليها وقال ما أصابها بالصاعقة :
- ومن قال لك بأنني أبكي أبنـــي ؟
أنتابتها قشعريرة لوهلة فقالت متسائلة :
- ماذا تقول أنت ؟
أجابها ما زادها حيرةً فوق حيرتها :
- أنني نسيت أبني ولم أعد أتذكره !
الزوجة التي ضاعت وسط متاهته وغرابته , سألته :
- من تبكـــي إذا ؟
بعد صمت دموعً مُحــير قال لــها :
- هل تذكرين الطفل الذي أخبرتك عنه عند الأشارة ؟
الزوجة :
- نعــم ؟
عمار :
- هو نفسه أبــن زميلتك المعلقة صورته على الحائط ؟
الزوجة :
- أنك أصبتني بالجنون والحيرة , لا أدري ماذا تقول ! وماذا تعني ؟ وكيف رأيت أبنهــا عند الأشارة ؟
قال لــها شيئا لم تعرفه .. شيئــا غريبا زاد من غموض الموقف جعلها تتسمر في مكانها :
- أبنهــا ميت منذ سنتيــن !
أسترجعت زوجته
- أنا لله وأنا إليه راجعون .
قال عمار منكــسـرا :
- تقول بأن أبنها ما زال موجود .. ما زال يلعب ويُنشد .. ما زال موجودً في روحها لا في دنياها , ذلك ما قطع نياط قلبي !
سألته زوجته تستفسر بعدما بكت هي الأخرى أبنها وأبن زميلتها :
- وكيف عرفت أنت ؟ فهي لم تخبرنا بشيئا عنه ولم تقل بأنه توفي ؟
عمار :
- أنني أعرف ما لا تعرفين ! أعرف لما مات أبنها ولما مات أبني ؟
الزوجة أندهشت لما سمعت عن سبب وفاة أبنها , سألته :
- وما ذاك ؟
ظل عمار في صمته .. هادئا يسترجع ذكرى .. يسترجع لعنة ما ربما .. يسترجع أقدار مكتوبة , كان ينظر إلى زوجته بطريقة أخافتها بينما هي تهز برأسها مستغربة متسائلة باكية وكأنها تتجهز لسماع الكارثة , فقال لـها الكارثة :
- أنا الذي صدمته بسيارتي قبل سنتين .. وهربت من المكان ولم أنقذه !
|
Hauv fi fdkkh Nauv fdkkh
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 02:42 AM
|