تثبت الطريقة التي كان النبي وخلفاؤه يخاطبون بها ملوك الشعوب غير المسلمة ورؤساءها، أنهم كانوا يعاملونهم على قاعدة المساواة الإنسانية، لا فرق بين عربي وعجمي، ومسلم وغير مسلم، ومواطن وغير مواطن في الاعتراف بإنسانية الإنسان.
يؤيد هذا سعي الرسول لكي يقيم سفارات بعد إقامة المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة مباشرة مع كثير من البلاد والقبائل المجاورة.، وكان من أهدافها العامة بعث الروح الإنسانية والتواصل الإنساني، كما كان من أهدافها الخاصة عقد هدنة، أو صلح، أو المفاوضة لتبادل الأسرى، وكل هذا يصب في مجال تحقيق إنسانية الإنسان.
وكان عدد من هذه البعثات يهدف أيضًا إلى دعوة الأجنبي إلى التعرف الموضوعي على الإسلام عن طريق التقديم السلمي له،؛ ليتبين الرشد من الغي، ومن شاء -بعد ذلك- أن يكفر أو يؤمن فهو حر في اختياره!!
ويبين التاريخ أن السلطات المسلمة كانت مرتبطة بعدد من الواجبات الشرعية السلمية في تنظيم علاقاتها الخارجية، دون أن تنسى مع ذلك مهمة نشر الإسلام في العالم بالطرق الحوارية والثقافية العقلية الكريمة.
ولم يحدث قط أن استعلى المسلمون على العالم أو غمطوه إنسانيته أو حقوقه، أو فرضوا عليه القهر الفكري أو الديني أو اعتبروه برابرة.. بل اندمجوا فيه وتعايشوا معه، وتساووا معه في صفوف الصلاة، وفي جوع الصيام، وفي مشاق الطواف إذا اعتنق الإسلام.
أما إذا لم يعتنق الإسلام فهو حر، وهو إنسان، وهو مسئول عن اختياره، وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم.. والغدر بحقوقه خيانة لذمة رسول الله ، فضلاً عن أنها خيانة وطنية، وتفرقة عنصرية يرفضها الإسلام..
وكل ذلك مرفوض إسلاميًّا!!
فإذا جئنا للموقف المقابل.. موقف الحضارة الأورأمريكية منا.. وجدنا الأمر على العكس من ذلك؛ فالغرب لم يقبل منح الإمبراطورية العثمانية (حق الناس) إلا في منتصف القرن التاسع عشر، مع إضافة بعض التحفظات بسبب إنسانيتها البربرية (كما يقول بوازار).. وما زال العالم الآن يقسم من الكبار إلى عالم أول، وثانٍ، وعالم ثالث، وما زال هناك من يقول: إن الجنس الأبيض أفضل من الجنس الأسود أو الأصفر، وما زال هناك من يسمِّي المسلمين همجًا وبرابرة، ويعطي نفسه وحده صفة الحضارة وحق السيادة، وفرض القولبة المسماة بالعولمة لصالح قيم معينة وطريقة معينة في الحياة!!
بينما كان الإسلام يعتمد المساواة الإنسانية، ويسعى للتفاعل والتكامل مع العالم، وما زال أهله وسيبقون أبعد الناس عن أي استعلاء عنصري؛ لأنه فتنة منتنة، وجاهلية عفنة.. فالناس من آدم، وآدم من تراب، وهم سواسية كأسنان المشط.
هذا هو الإسلام.. دين المساواة الإنسانية.. وهذا هو ماضي أعدائنا وحاضرهم العنصري الاستعلائي المدمر.