نفحات آيمانية ▪● (يهتم بشؤؤن ديننا الإسلامي الحنيف) |
02-05-2016, 09:26 AM
|
|
|
|
الحياه البرزخ
البرزخ لغةً ما بـين كل شيئين، أو هو الحاجز بين الشيئين، وقد جاء في التنزيل قوله تعالى: {مرج البحرين يلتقيان*بينهما برزخ لا يبغيان} الرحمن:19-20 ومعناه الحاجز الخفيّ، ومثله قوله تعالى :{وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا} الفرقان:53.
من أهم خصائص العقيدة الإسلامية أنها عقيدة غيبية, أي أن المسلم يعتمد في إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وعذاب القبر ونعيمه.... على ما جاء في كتاب الله والصحيح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, نظرا لكون هذه الأمور لا تدرك من خلال الحواس التي وهبها الله للإنسان.
ولعل من أهم الأمور الغيبية التي تحظى باهتمام كبير من المسلمين: مسألة الحياة البرزخية وما يتعلق بها من أمور حقيقة عذاب القبر ونعيمه, وسؤال الملكين, ومحل عذاب القبر أو نعيمه, وهل هو للروح فقط أم للروح والجسد معا, وهل هذا النعيم أو العذاب مستمر أم منقطع, وهل تتلاقى أرواح المؤمنين المنعمين في الحياة البرزخية؟؟
أسئلة حاولت الإجابة عنها قدر المستطاع في هذا التقرير, معتمدا على عقيدة أهل السنة والجماعة وأقوال علماء السلف الصالح في هذه المسألة العقائدية الإسلامية.
التعريف:
البرزخ لغةً ما بـين كل شيئين، أو هو الحاجز بين الشيئين، وقد جاء في التنزيل قوله تعالى: {مرج البحرين يلتقيان*بينهما برزخ لا يبغيان} الرحمن:19-20 ومعناه الحاجز الخفيّ، ومثله قوله تعالى :{وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا} الفرقان:53.
وبحسب الإطلاق الشرعيّ فهو مصطلح يُعبّر عن أمدٍ ما بين الدنيا والآخرة وعالمٍ خاصٍّ مباينٍ لهما، يَرِدُ عليه الخلق بعد الموت والفناء، وقد فسّره الإمام الطبري بأنه: حاجز يحجز بين الخلائق وبين الرجوع إلى الدنيا، ويظلّون فيه إلى أن يُبعثوا من قبورهم، واعتبر أن البرزخ والحاجز والمهلة متقاربات في المعنى، ويظهر من تعريفه ملاحظة مسألة الفصل القائمة في الحياة البرزخيّة عما قبلها وما بعدها فلذلك عبّر عن البرزخ بالحاجز. (1)
والحاصل أن البرزخ يفصل بين الموت والبعث، أو بين الدنيا والآخرة، أو بين الموت والرجوع إلى الدنيا، وهو الإمهال إلى يوم القيامة، وكلام العلماء وتعبيراتهم تدور حول هذه المعاني.
عقيدة أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية
1- يؤمن أهل السنة والجماعة بعذاب القبر ونعيمه, وهذا الإيمان يستند إلى الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح , حيث تظاهرت الآيات والأحاديث وإجماع الصحابة والتابعين على هذا الأمر.
فقد ورد في كتاب الله الكثير من الآيات التي تدل على العذاب والنعيم في القبر, قال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} غافر/46
قال الرازي: احتج أصحابنا بهذه الآية على إثبات عذاب القبر, وقالوا أن الآية تقتضي عرض النار عليهم غدوا وعشيا وليس المراد منه يوم القيامة بدليل {يوم القيامة.. } وليس المراد منه الدنيا أيضا لأن عرض النار عليهم غدوا وعشيا ما كان حاصلا في الدنيا, فثبت أن هذا العرض إنما هو بعد الموت وقبل يوم القيامة, وذلك يدل على إثبات عذاب القبر. (2)
ومن الأدلة أيضا قوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} التوبة/101, فقد فسر العذابين في الدنيا والقبر ثم يردون إلى عذاب عظيم يوم القيامة كما ورد عن قتادة والحسن وابن جريج. (3).
ومن أهم الأدلة على عذاب القبر عند أهل السنة والجماعة من السنة النبوية:
حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ : بَلَى كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) , ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟؟ قَالَ : (لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا) صحيح البخاري برقم/216
قال الإمام النووي: فيه إثبات عذاب القبر وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة, وقال الحافظ ابن حجر: في هذا الحديث إثبات عذاب القبر. (4)
وأما أقوال الأئمة في إثبات عذاب القبر فكثيرة جدا, وقد اتفقت كلمة فقهاء المذاهب الأربعة على إثبات عذاب القبر أو نعيمه, كما أن لشيخ الإسلام ابن تيمية أقول كثيرة تؤكد هذا الأمر ومن ذلك قوله: "ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت, فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر ونعيمه" (5)
2- سؤال الملكين: مما يعتقده أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية سؤال الملكين منكر ونكير, وقد ثبت هذا السؤال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أخبار يبلغ مجموعها مبلغ التواتر, وبالتالي فإن الإيمان بها أمر واجب شرعا.
ومن تلك الأدلة على سؤال الملكين قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} إبراهيم/27, وفي الصحيحين من حديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) قَالَ : (نَزَلَتْ فِى عَذَابِ الْقَبْرِ فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّىَ اللَّهُ وَنَبِيِّىَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَة) صحيح مسلم برقم/7398.
وفي حديث آخر في سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك وإن كان منافقا...) سنن الترمذي برقم/1072 وقال الألباني: إسناده جيد ورجاله كلهم ثقات رجل مسلم. السلسلة الصحيحة 3/380.
وفيما يخص بعض المسائل التي يمكن أن تثار حول سؤال الملكين, فقد اتفقت كلمة جمهور علماء أهل السنة والجماعة على أن سؤال الملكين عام للمؤمن والمنافق كما دلت الأحاديث الصحيحة, كما أنه يشمل أيضا الكافر حسب جمهور العلماء, وهو عام لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ولغيرها من الأمم لعموم الأدلة وعدم التخصيص.
3- محل عذاب القبر ونعيمه (الروح فقط أم الروح والجسد):
اختلف الناس في أمر الروح هل تموت أم أن الموت للجسد فحسب؟ فذهب البعض إلى أنها تموت لعموم قوله تعالى: {كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} الرحمن/26-27, وذهب البعض الآخر أنها لا تموت واستدلوا بالأحاديث التي تدل على أن الأرواح في نعيم أو عذاب إلى أن يرجعها الله في أجسادها, ولو ماتت الأرواح لانقطع عنها النعيم أو العذاب, وجمع ابن القيم بين القولين بقوله: (والصواب أن يقال موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت, وإن أريد أنها تعدم وتضمحل فهي لا تموت بهذا الاعتبار, بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو عذاب). (6)
وقد اختلف العلماء في مسألة محل عذاب القبر أو نعيمه على قولين:
الأول: العذاب والنعيم على الروح فقط: وهو مذهب ابن حزم وابن عقيل وابن الجوزي من الحنابلة.
الثاني: العذاب والنعيم على الروح والجسد معا وإليه ذهب جمهور علماء أهل السنة, وفي ذلك يقول ابن تيمية: (مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب, وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه, وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة, وأنها تتصل بالبدن أحيانا, فيحصل معها النعيم أوالعذاب) (7)
4- عذاب القبر ونعيمه مستمر لا ينقطع: عذاب القبر هو عذاب البرزخ أضيف إلى القبر لأنه الغالب, وإلا فكل ميت أراد الله تعذيبه ناله ما أراد به قبر أم لم يقبر, فلو أغرق في بحر أو حرق حتى صار رمادا أو غير ذلك وصل إلى روحه العذاب أو النعيم.
وعذاب القبر أو نعيمه دائم لا ينقطع في معتقد أهل السنة والجماعة, لأن النصوص الشرعية لم تشهد بانقطاع هذا النعيم أو العذاب, لأن موجبه وهو الإيمان والطاعات ثابت, فكما أن الكفر اقتضى العذاب الدائم فكذلك الإيمان يقتضي النعيم الدائم أيضا, وفي الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة) صحيح البخاري برقم/1313 .
5- تلاقي الأرواح: يعتقد أهل السنة والجماعة أن أرواح المؤمنين المنعمين في البرزخ تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا, أما أرواح أهل الكفر فهي في شغل شاغل بعذابها, قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} النساء/69
قال ابن القيم: (وهذه المعية ثابتة في الدنيا وفي دار البرزخ وفي دار الجزاء, والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاثة) (8)
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ فَيَقُولُونَ مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنْ الْأَرْضِ فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُونَهُ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ فَيَقُولُونَ دَعُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا فَإِذَا قَالَ أَمَا أَتَاكُمْ قَالُوا ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ.. ) سنن النسائي برقم/1832 وصححه الألباني.
هذه أهم تفاصيل عقيدة أهل السنة والجماعة في مسألة الإيمان بالحياة البرزخية وما يتعلق بها من الإيمان بعذاب القبر أونعيمه, رأيت أنه من الخير أن أبدأ ببيانها لتكون أساسا وأصلا يعتمد عليها المسلم في التمييز بين الحق والباطل, فإذا ما قرأ المسلم بعد ذلك معتقد بعض المذاهب المنحرفة أو التيارات الفكرية الضالة في هذا الأمر الغيبي الخطير, استطاع أن يعلم الصحيح من السقيم والحق من الباطل.
hgpdhi hgfv.o
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 05:06 AM
| |