حين تتحول القصور التاريخية إلى معالم ثقافية تحتفي بها الدول كأبرز إنتاجاتها البشرية، تسهل مهمة الباحث
عن المعارف والمعلومات الثقافية التي أسهمت في خلق التراث المعماري، قطعة قطعة.
من هنا يستمر "معرض قصر الحصن" في أبوظبي بفاعلياته التي تحتفي بالتراث الثقافي الأصيل للدولة عمومًا وأبوظبي خصوصًا،
مركِّزًا على البيت الإماراتي الأول، مع قصة نشأة وتطور المدينة الحيوية، وتشير الوثائق إلى أن
حكاية القصر تجسد قصة حياة واعتزاز وفخر، وهي قصة مدينة أبوظبي.
تقول الوثائق التراثية الإماراتية: "عندما كانت مجموعة من رجال قبيلة بني ياس تطارد غزالًا شاردًا على سواحل
أبوظبي، قام الشيخ ذياب بن عيسى بالعبور إلى جزيرة أبوظبي، حيث يوجد نبع ماء في المكان الذي توقفت فيه الغزال".
ويرى المؤرخون أن هذه تعد إحدى أهم الروايات التي تحدثت عن تاريخ اكتشاف العاصمة، علمًا بأن القاسم المشترك بين كل الثقافات هو وجود المياه التي ميزت أبوظبي عن غيرها.
قطع ديكورية وهوية ثقافية
ينقسم معرض القصر إلى عدة عناوين أو ما يمكن تسميتها بالمناطق، وهي منطقة 1 (فيلم قصر الحصن والاستقبال)، ومنطقة 2 (نشأة قصر الحصن)، ومنطقة 3 (الحصن: توحيد الشعب)، ومنطقة 4 (الحياة في القصر)، ومنطقة 5 (الحفاظ على معلم تراثي)
، ومنطقة 6 (بناء المستقبل).
وفي أثناء السير في أروقة المعرض بين كل منطقة وأخرى، يبدو المعرض فريدًا من نوعه، لغرائبية قطعه
الديكورية واستثنائه في أضوائه، ومن الواضح ملاحظة تاريخ الدولة ومحاولة الإماراتيين إحياء تراثهم
الثقافي بأي شكل من الأشكال، فهم أمام تحدي تاريخ بلادهم وإبراز هويتها الوطنية ومشهدها الثقافي.
فالقصر يعرض عديدًا من الأقسام ذات الصلة، هنا برج المراقبة، الذي يشهد حركة سكانية حوله من قبيلة بني ياس، من خلال تصوير نمط الحياة البدوية، إذ تم بناؤه سنة 1761 للدفاع عن بئر المياه العذبة في جزيرة أبوظبي ثم توسيع البرج إلى حصن صغير عام 1793.
هذا وحوْل البرج مجموعة من المنازل المبنية من سعف النخيل "العريش"، ثم السوق، وهو المركز الرئيسي
للسكان للتفاعل الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وهو قريب من القصر، دليلًا على أهمية الموقع الاستراتيجي.
ويمكن القول إن المبنى لوحة ثقافية فنية تعكس التراث الثقافي للإمارات، والذي يعكس
مجددًا ثقافة البناء بالأحجار البحرية والمرجانية المحلية، التي تمتص
حرارة الشمس وتُبقي الداخل باردًا في الصيف.
لوحات تجسد الحكاية غير المنسية
يحتفي المعرض بمجموعة من أبرز اللوحات التراثية الفنية، التي تحث على اكتشاف المكانة التاريخية لهذا الصرح، كصناعة السفن، ونوعية الأبواب الخشبية، والتأمل في الساحل، والاستماع إلى قصص شيقة ممن شهدوا فترة مهمة من التاريخ في العاصمة،
ومن أناس عاشوا في قصر الحصن سابقًا، عبر شاشة سينمائية موضوعة في وسط المعرض ضمن
جو سينمائي بديع للغاية (فيلم قصر الحصن والاستقبال).
وتمتد اللوحات إلى إظهار العادات القديمة في الاستحمام، وإظهار المفردات التقليدية كالفوانيس، والنخيل، والجِمال التي كانت تسير حول القصر منذ القرن الثامن عشر، إلى أن أصبح الآن في وسط المدينة محاطًا بعشرات الأبراج السكنية والسيارات والمارة.
ثمة صور كثيرة للشيوخ الذي عاشوا في القصر، فقد أمر الشيخ شخبوط بن ذياب آل نهيان ببناء القلعة المحصنة هذه لتكون مقر إقامة له وعائلته.
ومن خلال الوصول إلى نهاية المعرض الذي صُمم بطريقة ذكية تسهّل السير دون ضياع، ورغم صغر
المعرض عمومًا، فإن أشياء كثيرة تبقى خالدة في الذهن كالمدفع واللوحات التذكارية والخطوط البيانية
ومجسم القصر، وما إلى ذلك من مفردات تفضي
إلى إطلاق ما يمكن تسميته على أسلوب العرض بـ"دراما التراث".
وتشير الألوان والإضاءة والتباين في القطع مع الموسيقى، إلى أن فيلمًا سينمائيًّا ينتظر الزائر، فالفيلم يعمل على مدار الساعة، وهو يحكي قصة المدينة ويجسد ثقافتها، ثم يسير الإحساس نحو الأماكن الأخرى، التي تترك في النفس سؤالًا وبُعدًا استكشافيًّا يحفّز العين على السير في ممرات المعرض ومعرفة الجهة الأخرى أو اللوحة أو القطعة الأخرى التي تنتظر لتحكي قصة الرمل وشعاع الشمس الحارقة والأقدام
السمراء، وهي تؤسس لدولة جديدة لا تترك تراثها رغم كل التطور،
بل تتشبث به تشبُّث الأم برضيعها.
حكاية أقدم بناء تاريخي في أبوظبي تختصر حكاية الشيوخ الذين بنوا الدولة، بعد أن أصبح القصر مقرًّا رسميًّا للإقامة ومركزًا لحكم الشيخ شخبوط بن ذياب (1793-1816) الذي نقل عاصمة بني ياس من ليوا إلى جزيرة أبوظبي، حيث "البيئة الثقافية المتكاملة
وقصة تطور شعب وسيرة تميز وطن"، حسب منشور معرض قصر الحصن، الذي يتسيد وسط العاصمة الإماراتية مكانًا له
، حيث الجدلية بين الأصالة والمعاصرة.