الوجود وإكسير الحياة، بيَن محبَتين
الحب إحساس لذيذ ومتعة غامرة ونشوة ما بعدها نشوة،
ومن المحال أن يعيش إنسان دون أن يروي قلبه
كل يوم من نبع الحب وإلا هلك
الحب شعور رائع لا يوصف
قد يتبارى الشعراء في الكلام عنه والفنانون في تصويره،
لكن مع كل هذا يبقى أسمى من الحروف والكلمات،
وفوق احتمال البشر أن يصفوه أو يعرِّفوه،
فقط يحسون بأثره ويتكلمون عن مفعوله.
ولابد للحب أن يكون متبادلا كي ينعش
الروح وإلا انقلب عذابا،
فأصعب ما في الوجود أن تحبَّ من لا يحس بك "
أو لا يبادلك عاطفة بعاطفة،
فهذا قمة الشقاء وعنوان البلاء وشعلة من جهنم.
وبين يديك حصيلة تأملات؛
جعلت فيها محبة الله في كفة ومحبة الناس في الكفة الأخرى
لترى الفارق بوضوح،
ويظهر لك أيهما أولى بقلبك وأجدر برعايتك،
وليس المراد أن نطرح محبة هؤلاء جانبا أو نقلبها عداوة،
بل المراد:
* إعلاء تعظيم الله في القلوب وأن نقدر الله قدره.
* أن نعرف دور محبة الدنيا في حياتنا، فنصنع منها
جسرا يوصلنا إلى محبة الله بدلا من أن تكون عقبة في سبيل الوصول.
* أن نقدِّم ما يحب ربنا على ما نحب خاصة
إذا صاحب هذه المحاب الدنيوية ما يوقع في معصية
أو يؤخِّر عن طاعة،
فهنا المفاصلة الحاسمة والوقفة الحازمة، وهذا من صريح الإيمان.
* النجاة من الفسق الذي يقع فيه على كل من قدَّم
على محبة الله ورسوله أي محبة كانت، مع تهديد
مخيف في الآية بالحرمان من أعظم نعمة:
نعمة الهداية " وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ"
* بلوغ درجة الحياء من الله وهو من أشرف المقامات ودرجة من أعالي الدرجات.
هذه نيتي التي أشهرت لها قلمي وشحذت همتي،
فلتمر بقلبك على السطور لترتوي من نبع الكلمات،
وترتشف معي رشفات رائقات من نبع الحب الصافي:
في محبته ..
اعلم أنه لن يأتي اليوم الذي يسأم فيه منك أو يملُّ
من إقبالك عليه كما
يفعل معك البشر أو كما تفعل أنت معه في أحيان كثيرة!!
بل في مقابل كل شبر تدنوه منه ذراع وباع وهرولة،
وأمام أي قطرة مودة
منك انهمار أنهار محبة عليك.
في محبتهم..
تُقبل على البعض فتنفتح لك قلوبهم،
ويضيق وقتك عن آخرين فتظل أقفال قلوبهم مغلقة،
فلا تقوى بحال على اكتساب محبة الجميع
لعجزك البشري ومحدودية طاقتك النفسية والبدنية.
في محبته ..
مفتاح كل حب آخر
متى أحبك ألقى عليك ثوب القبول فأحبك
كل من رآك عرفوك أم لم يعرفوك
محبة الأحد تغنيك عن محبة كل أحد!!
في محبتهم ..
تخاف أن تكشف كل أوراق محبتك،
فلا تظهر كل مكنونات قلبك لحبيبك،
وتخشى أن تظهر لهفتك عليه كل وقت فيزهد فيك،
وعند زيارته تنفِّذ الوصية: زر غبا تزدد وُدَّا حتى لا يملَّ منك.
في محبته ..
مفردات الحب مختلفة ..
أحب شيء لديه الإلحاح عليه،
أعظم ما يقرِّبك منه ملازمة أعتابه وعدم الانصراف عن أبوابه.
في محبتهم ..
قد يشغلهم عنك شاغل ..
قد يعتري محبتهم نحوك فتور ..
قد يستحوذ على قلوبهم غيرك ..
قد تدور بهم عجلة الحياة مسرعة فلا يجدون
وقتا يمرون فيه على قلبك الظمآن
يروون عطشه بقطرة محبة بها يحيا وعليها يقتات.
في محبته ..
إلى جوارك كلَّ وقت وحين،طلبته أم لم تطلبه،
ومحال أن يتركك وحيدا أو يهجرك ..
سبحانه لم ينشغل عنك بغيرك وهو الغني،
وانشغلت أنت عنه بغيره يا فقير!!
في محبتهم ..
لا يُقبلون إلا على من أقبل عليهم،
لا يتوددون إلا إلى من تودد إليهم،
وهل رأيت بشرا خالفتَ أمره فما زالت محبته ولا تغيَّرت مودته!
في محبته ..
هو الذي يُقبل .. يتفضَّل .. يُغدِق .
حتى وإن أعرضت عنه وزهدت في طاعته بل
وتماديت حتى عاديته بعصيانك!!
تعامله بما يكره فيرد عليك بما تحب!!
حتى إذا ما عُدت إلى رشدك وعرفت عظيم جُرمك وجدته –
ويا للعجب-
منتظرا لك على شوق ..
فرحا بعودتك إليه وهو المحسن ..
أكثر من فرحك به وأنت المسيء!!
في محبتهم ..
لا ينسون إساءتك، قد يغفلون عنها شهرا أو يتناسونها دهرا،
حتى إذا ثقل الميزان وفاض المكيال،عيَّروك بما كان منك،
وفتحوا لك سجلات الماضي صفحة صفحة فغاضبوك وذكَّروك وآذوك.
في محبته ..
أجمل ما فيها أنه يعفو عن زللك إن أخطأت،لأن من أسمائه العفُوُّ،
ومعنى العفو: الذي لا يذكِّرك بذنبك وكأنه ما صدر منك،
وينسيه الحفظة فلا تأنيب ولا تأديب،
بل ولا أدنى عتاب،لا عاجلا في دنيا، ولا آجلا في آخرة..
في محبتهم ..
قد يخيِّبون ظنك يوما ..ترجو نصرتهم في موقف فيخذلونك ..
تستند إلىهم يوما فلا تجد سوى الفراغ ..
يظهر لك منهم ما لم تكن تتوقعه أو تتمناه ..
في محبته ..
على الدوام أكثر مما تنتظر وأروع مما تتوقع
في محبتهم ..
قصر نظر وعلامات جهل؛
قد يضرونك من حيث أرادوا أن يفيدوك،
ويفعلون ما يظنون أنه يسعدك وهو عين ما تكره
في محبته
هو الأدرى بك والأعلم بما ينفعك وما يضرك ..
أليس هو الحكيم الخبير؟
في محبتهم ..
يكشفون سرك ويفضحون نقاط ضعفك
عند نشوب نار الخلاف وبوادر الخصام.
في محبته ..
تتكاشف بين يديه وتعترف له بكل عيوبك
وهو الأعلم بها، لكنه يفتح لك باب الاعتراف
لتهدأ نفسك المضطربة
ويستريح قلبك المسكين من نيران الهم والغم،
مطمئنا إلى ستره الجميل الذي لولاه ما جالسك أحد،
ولو فضحك وأفشى سرك ما دنا منك قريب
أو حبيب من شؤم معصيتك وسوء حالتك،
وصدق من قال: لو تكاشفتم لما تدافنتم!!
في محبتهم ..
تبادل منافع .. مطارحة ود بود،
فالحب يحتاجه كل محب ولا يستغني عنه أي محبوب.
في محبته ..
لن تبلغ نفعه فتنفعه ولا ضره فتضره،
بل أنت وحدك المنتفع من قربه دون أن يعود ذلك
عليه بمثقال حبة من خردل من نفع.
فواعجبا . بعد كل هذا .
مما عرفتُ فكتبتُ عنه أو عجزت عن إحصائه فلم أذكره ..
كيف أحببتُ غيره وهجرتُه؟!
كيف واليتُهم وعاديته؟!
كيف نسيته فما رددتُ إحسانه بإحسان وأفضاله بامتنان؟!
كيف سوَّلت لي نفسي التأخر عنه وفي أحيانا أخرى ..
الإعراض عنه؟!
كيف لم أستحِ منه مع أني حتى في مخالفتي له لم أجد غيره أمامي ألجأ إليه؟!
وفي بُعدي عنه لم أجد أقرب إليَّ منه ؟!
إلهى ..
يا من أحبني قبل أن أحبه ..
يا من اختارني واصطفاني وبفضله غمرني وحباني ..
كلما تأملت حالي قلتُ:
ويل قلبي إن مات على ما هو عليه.
إلهي ..
ليس لي غيرك ..
أدركني بحبك ..
داوِ قلبي بقربك ..
أنا عبدك الموصوف في كتابك بالظلوم الجهول ..
فأفض عليَّ أنوار محبتك حتى أشعر أني وُلِدت من جديد ..
وسرت فيَّ نفخة بعث إلهية تجعلني أعيش عالما أروع بالسكون إليك،
ودنيا أجمل بالعيش في كنفك ..
وتتغيَّر نظرتي للأشياء من حولي،
فلا أحبُّ إلا ما أحببت، ولا أكره إلا ما كرهت.
وتتعدل أحاسيسي،
فأوالي وأعادي من واليت وعاديت.
اللهم وارزقني أعلى درجات حبك حتى أحوِّل علقم
الشراب في هذه الدنيا حلوا،
وأقلب التراب تبرا، وأعيد الكدر صفاء، وأصوغ من الألم أملا
وأصنع من السجن روضة،
وأنظر للسقم على حقيقة أنه اصطفاء،
فتنبعث في روحي الرغبة العارمة في إرضائك ولو بذلت حياتي في سبيلك،
وأمتلأ بالدافعية نحو الخير ولو أفنيت في ذلك ذاتي وهجرت لذّاتي.