نفحات آيمانية ▪● (يهتم بشؤؤن ديننا الإسلامي الحنيف) |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]() الغفلة عن الغد ! ![]() إن شر ما يبتلي به المرء أن يغفل عن غده ، وعمّا ينتظره من مصير لا يدري ما الله - عزّ وجلّ - صانعٌ فيه..! فالعاقل مَن نظر في العواقب والمآلات ، ولم يُشغل عنها بما زُين له من حب الشهوات ، فأعدّ لغده ما يسره من الباقيات الصالحات .. والأحمق من انغمس في لذته الحاضرة ، وجعلها منتهي الآمال والغايات ، وغفل عن غده وعمّا ينتظره فيه من سوء المصير ومغبة النهايات .. ! ولقد نعي الله علي أقوام - فقدوا رشدهم ، وذهلوا عن آخرتهم مع سكرة الحياة ولذاتها - فقال جل شأنه: {إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا} [الإنسان: ٢٧] والحق ؛ إن حب العاجلة والذهول عن الآخرة جعل الكثير من الناس - إلا من رحم ربي - يلهثون وراء الشهوات ، ويعبّون من الملذات ، بصورة أدت إلي اغتيال القيم ، وخراب الذمم ، وإدمان الفساد .. ! وهذا من صنيع هيمنة الفكر المادي - قديما وحديثا - الذي جعل الكثير من الناس يعبدون اليوم الحاضر ، وينسون ما وراءه .. ولأمر ما ، جاء اهتمام القرآن بدفع الناس وحثهم علي النظر فيما قدموه لغدهم ، وذلك بين أمرين بتقوي الله -عزّ وجلّ - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر : ١٨] وما ينظره الإنسان في غده ، هو ما يقدمه اليوم لنفسه ، فالإنسان هو الذي يصنع مستقبله بيده ، وما المرء إلا حيث يجعل نفسه .. ، وما يزرعه اليوم يحصده في غده ، إن كان خيرا فخير ، وإن كان شرا فشر .. {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة : ٨،٧] ، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [الجاثية : ١٥] بل إن ما يقدمه الإنسان اليوم لغده من خير يباركه الله ، ويعظم له أجرا .. {… وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [ المزمل الآية٢٠] وفي نهاية رحلة الإنسان من تطوافه في الحياة - سلبا كان أو إيجابا - فلم ولن يجد أمامه إلا ما قدمته يداه {.. يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ :٤٠] ولذا ، ينبغي للإنسان أن يسأل نفسه - وهو ينظر لمستقبله في غده - : هل سأكون غدا من الأبرار أم - والعياذ بالله - من الفجّار ؟! وهل سيذكرني التاريخ في موكب المقسطين المصلحين الأخيار ، أم في موكب الظالمين المفسدين الأشرار؟. وهل سأكون غدا ممن سيأخذ كتابه بيمينه فيقول - وهو فرحان مسرور - : {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ..} [الحاقة الآية: ١٩] إلي أن يُقال له - وهو في جنة عالية -: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة : ٢٤] أم ممن سيأخذ كتابه بشماله فيقول - وهو محسور ندمان - : {.. يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ*مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 27-29] ومما هو جدير بالذكر هنا ، قصة رمزية فيها من الدروس الجليّة بيد أنها تخفي علي القلوب العميّة .. قالوا : "كان من عادة مملكة من الممالك ، أن تولّي عليها ملكا لمدة ما ، سنة أو نحوها ، ولكنهم يشترطون علي من يقبل الملك والتنعم به، أن يسيروا به في نهاية المدة إلي صحراء مجدبة لا ماء فيها ولا زرع ثم يجعلونه في هذه الصحراء ، لا يبرحها ، ولا سبيل إلي أن يجيئه طعام أو ماء ، حتي يموت المسكين ميتة تعسة من الجوع والظمأ .. ومر بهم يوما سائح غريب ، فرآهم في حيرة وهرج ومرج ، فسألهم عن أمرهم فقالوا : لا نجد من يقبل أن يكون ملكا علينا ، فقال الرجل : وهل يرفض الملك عاقل ؟ فقالوا له : أتعرف ماذا نشترط علي من يتولي هذا الملك ؟ ، ماذا تكون عاقبته ؟ فقال : وماذا تشترطون ؟ ، قالوا : نشترط كذا وكذا. فبهت الرجل ، وسكت قليلا ، وقال : أو ما عندكم غير هذا ؟ قالوا : هو ذلك فقط … فأطرق وفكر ودبر - وكان عاقلا أريبا - ثم رفع رأسه وقال لهم : قد قبلت .. أقبل الرجل علي مُلكه يدير شأنه بسياسته الحكيمة ، ويقيمه علي سنة العدل ، ففرح الناس، وانتظمت أحوالهم، واتسعت ثروتهم . ولكنه مع ذلك لم تلهه زينة الملك ، وأبهة السلطان عن مصيره الأسود الذي ينتظره في الصحراء المقفرة ؛ فأخذ يعمل جهده لتعمير هذه الصحراء ، فأوفد إليها المهندسين ليخططوا فيها حدائق وبساتين وقصورا، وأرسل العمال والآلات وكل ماهو ضروري لإنجاز هذه المهمة .. وما أسرع ماتم ذلك ، فشقت الأنهار، وجرت المياه العذبة ، وغرست الأشجار الجميلة .. وقام للملك هناك قصر جميل وقصور أخري لمن يحبون الإقامة هناك، حتي صارت الصحراء بذلك جنة فيحاء . ومضت الأيام والناس يجهلون ماصنع الملك بالصحراء ، وانتهت المدة ، فأقبلوا عليه وقالوا : قد انتهت مدتك أيها الملك ، فتفضل إذاً إلي مصيرك بالصحراء ، فأجابهم في ثقة واطمئنان : نعم … وعجب الناس لثباته ، فلم يضطرب ، ولم يزغ بصره من الهلع ، وساروا به نحو الصحراء ، وهم في عجبهم هذا لا يدرون سر اغتباطه وسعادته ، إلي أن بلغوا الصحراء ، فماراعهم إلا البساتين ، والحدائق ، والزروع ،والدور قائمة وسط هذا النعيم البهيج .! فدُهِش الناس ، وأقبلوا علي الملك يسألونه : ما هذا ؟ فقال لهم : إن من تولي الملك قبلي شغلته لذته العاجلة ،عن أن ينظر في مصيره الذي ينتظره في النهاية ، أما أنا ، فلم تشغلني العاجلة ، عن بشاعة المصير المحتوم ، فدبرت له ما دبرت حتي إذا انتهت المدة انتقلت إلي مقام جميل ، فيه الرفاهة والخير الجزيل . هنالك فرح به أهل المملكة وقالوا له : أيها الملك العاقل ، أنت الرجل الحكيم الذي لا يصلح أن يتولي أمرنا غيره ، فارجع بنا إلي العرش فإنا بك مستمسكون!..". وفي ضوء ما انتهت إليه هذه القصة الرمزية من دروس وعبر ، نتساءل : • أليست هذه القصة تعبّر عن واقع كل إنسان في أنه صائرٌ يوما ما - طال العمر أم قصر - إلي القبر ووحشته ، ثم إلي يوم الحشر وشدته.. ؟! بلي وربي .. ، فإنه لا يعمل لمثل هذا اليوم ويستعد لغده إلا كل مؤمن عاقل ، ولا يتناسي مثل هذا اليوم ويذهل عن غده إلا كل أحمق غافل . • هل العمل للغد والإقبال عليه ينافي الإقبال علي اليوم الحاضر ؟ كلا ، بل إن تعمير الغد لا يكون إلا بتعمير اليوم الحاضر بالعمل الصالح ، الذي يحقق للبشرية تقدمها وسعادتها ، ويحفظ للإنسانية حقوقها وكرامتها ، كما فعل الملك العاقل الأريب في القصة المشار إليها . • كم حاكما - ممّن تولوا الحكم - ، أقام العدل ولم تشغله لذته العاجلة عن بشاعة المصير المحتوم الذي ينتظره ..؟ الإجابة في تاريخنا - للأسف - للقلبِ موجعةٌ وللنفسِ مؤلمةٌ .. رحم الله أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) الذي أقام دولة العدل - التي أتعبت كل من جاء بعده -، فقد جعل - رضي الله عنه - لنفسه شعاعاً من نور ، بدّد به ظلمات الظلم والشهوات ، وسما به عن الانغماس في الحاضر والملذات ، فكان يردد دائما : ماذا تقول لربك غدا ياعمر ؟ !! المصدر: منتديات تراتيل شاعر - من قسم: نفحات آيمانية ▪● hgytgm uk hgy] ! ![]()
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الغد, الغفلة |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الغفلة هي قحط القلوب وجدبها | طيف الامل | نفحات آيمانية ▪● | 10 | 02-14-2015 01:00 PM |
مؤتمر المعرفة الأول في دبي .. استدامة التنمية من أجل تمكين أجيال الغد | سراج المحبة | مُوجز آلآنبآء ▪● | 12 | 12-08-2014 11:00 AM |
الغفلة والنسيان | ڤَيوُلـآ | نفحات آيمانية ▪● | 13 | 07-17-2014 12:08 PM |
سينصهرجليد الصمت مع اشراقة شمس الغد | منتهى الذوق | زوايا عامه | 14 | 03-29-2014 11:25 PM |
أعتذر عن مقال الغد | ♪ تْرآتْيِلَ آلروُحَ ♥♥ | زوايا عامه | 5 | 01-27-2014 09:07 PM |