فصادفهم شاعرٌ فقير بيده جرّه فارغة كان متوجهاً بها إلى البحر ليملأها ماء؛
فرافقهم الأخير إلى قصر الملك،
إلى أن وصلوا القصر؛ وقد بالغ الملك في إكرامهم والإنعام عليهم...
ولما رأى الملك الرجل وعلى كتفه الجره وثيابه الرثه، سأله :
من أنت؟ وما حاجتك؟
فأنشد الفقير:
لما رأيتُ القوم شدوا رحالهم ...
إلى بحرك الطَّامي أتيتُ بجرتي ...
فقال الملك: املأوا جرته ذهباً وفضةً
فحسده بعض الحاضرين، وقالوا للملك:
إنه فقيرٌ مجنون لا يعرف قيمة هذا المال، وربما أتلفه أو ضيعه.
فرد الملك: هو ماله يفعل به ما يشاء.
فمُلئت جرته ذهباً؛ وخرج إلى الباب ففرّق المال على جميع الفقراء!!!
وقد بلغ ذلك الملك، فاستدعاه وسأله عن ذلك،
فقال الفقير:
يجودُ علينا الخيّرون بمالهم ،،،
ونحن بمالِ الخيّرون نجودُ ،،،
فأُعجب الملك بجواب الفقير، وأمر أن تُملأ جرته عشر مرات؛
وقال: الحسنةُ بعشر أمثالها.
فأنشد الفقير هذه الأبيات الشعرية التي يتم تداولها عبر آلاف السنين:
الناسُ للناسِ ما دامَ الوفاءُ بِهِمُ ...
والعُسرِ واليُسرِ أوقاتٌ وساعاتُ ...
وأكرمُ الناسِ ما بينَ الورى رجلٌ ...
تُقضى على يدهِ للناسِ حاجاتُ ...
لا تقطعنَّ يدَ المعروفِ عن أحدٍ ...
ما دُمت تقدِرُ والأيام تاراتُ ...
واذكر فضيلةِ صُنع الله إذ جعلت ...
إليكَ لا لكَ عِندَ الناسِ حاجاتُ ...
فماتَ قومٌ وما ماتت فضائِلهم ...
وعاشَ قومٌ وهم في الناسِ أمواتُ ...
التلذذ بالعطاء وقضاء حوائج الناس، لا يعرفه سوى العظماء
وأصحاب الأخلاق الفاضلة،،،
وليس دائماً العطاء بالمنح؛ بل أحياناً يكون العطاء بالمنع !!!
فكتمان الغضب، وستر أسرار الناس، وكف اللسان عن أعراضهم،