عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (يوشِكُ أنْ يأتِيَ زمانٌ يغَرْبَلُ فيه الناسُ غرْبَلَةً، وتَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ الناسِ، قدْ مَرَجَتْ عهودُهُمْ، وأماناتُهم، واختلَفُوا فكانُوا هكَذَا –وشبَّكَ بينَ أصابِعِهِ– قالوا: كيفَ بنَا يا رسولَ اللهِ؟ قال: تأخذونَ ما تعرِفونَ، وتَدَعونَ ما تُنْكِرونَ، وتُقْبِلونَ على أمرِ خاصَّتِكُمْ، وتذَرونَ أمْرَ عامّتِكُمْ) [رواه أحمد وأبو داود] .
** (يغربل فيه الناس غربلة): إشارة إلى أنه يهلك الصلحاء ويبقى ما لا منفعة فيه، كما أن الغربال ينقى الدقيق ويبقى الحثالة بلا منفعة .. أي يذهب خيار الناس ويبقى أرذالهم وسفلتهم.
** (قدْ مَرَجَتْ عهودُهُمْ، وأماناتُهم، واختلَفُوا فكانُوا هكَذَا –وشبَّكَ بينَ أصابِعِهِ–) أي اختلطت وفسدت، وأصل المرج: الخلط والإرسال والاضطراب والقلق، ومنه قوله تعالى: {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ} [ق:5] أي مضطرب، أي: بعضُهم يقول: ساحر، وبعضهم يقول: كاهن، وبعضهم يقول: شاعر، إلى غير ذلك من تخليطهم.
«المارج» اللهب المضطرب من النار. قال ابن عباس: وهو أحسن النار المختلط من ألوان شتى.
** (وشبك بين أصابعه): أي يمرج بعضهم ببعض، وتلبس أمر دينهم فلا يعرف الأمين من الخائن ولا البر من الفاجر.
** (وتُقْبِلونَ على أمرِ خاصَّتِكُمْ، وتذَرونَ أمْرَ عامّتِكُمْ) وتقبلون على خاصتكم: رخصة في ترك أمر المعروف إذا كثر الأشرار وضعف الأخيار.
وفي رواية: (خذ ما عرفت ودع ما أنكرت، وعليك بخويصتك، وإياك وعوامهم)
** في رواية لأحمد وأبي داود والنسائي والحاكم عنه -رضي الله عنه-؛ قال: بينما نحن حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ ذكر الفتنة، فقال: (إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا -وشبك بين أصابعه-!). قال: فقمت إليه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك قال: (الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة).
قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
** وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "إذا وقع الناس في الفتنة، فقالوا: اخرج؛ لك بالناس أسوة. فقل: لا أسوة لي بالشر".