قال بعض الأئمة: وجهاد النفس أربع مراتب: حملها على تعلم أمور الدين، ثم حملها على العمل بذلك، ثم حملها على تعليم من لا يعلم، ثم الدعاء إلى توحيد الله، وقتال من خالف دينه وجحد نعمه.
عدة المجاهدة
________________
والمسلم وهو يجاهد نفسه لابد له من عُدَّة يتسلح بها، وأقوى الأسلحة التي يستخدمها المسلم في مجاهدة نفسه، سلاح الصبر؛ فمن صبر على جهاد نفسه وهواه وشيطانه غلبهم وجعل له النصر والغلبة، وملك نفسه فصار ملكًا عزيزاً، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك غُلب وقُهر وأُسر، وصار عبدًا ذليلاً أسيرًا في يد شيطانه وهواه كما قيل:
إذا المرء لم يَغْلِبْ هواه أقامهُ.. ... ..بمنزلةٍ فيها العزيز ذليلُ
كان زياد بن أبي زياد - مولى ابن عياش - يخاصم نفسه في المسجد يقول: أين تريدين؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان؟
وكان يقول لنفسه: ما لك من الطعام غير هذا الخبز والزيت، وما لك من الثياب غير هذين الثوبين، وما لكِ من النساء غير هذه العجوز، أفتحبين أن تموتي؟ قال: فقالت: أنا أصبر على هذا العيش.
وانظر إلى مالك بن دينار رحمه الله، وهو يطوف في السوق، فإذا رأى الشيء يشتهيه قال لنفسه: اصبري؛ فوالله ما أمنعك إلا من كرامتك عليَّ.
فهذه أمثلة من مجاهدة الصالحين لأنفسهم، يظهر فيها جليًّا استعانتهم بالصبر في هذا الميدان.