الفصل الاول
فى وسط مدينة نائية تسكن انا و اخوها بيل حيث تتباعد البيوت عن بعضها و تفصل بينها المروج و الازهار و الاشجار و يسكن اقرب جار لهما على بعد ميل واحد و هو يستعد للرحيل قريبا . كم هى جميلة تلك المدينة الخالية! و ما يزينها من جمال الطبيعة الخلابة.
و لكن هذا لم يشفع لها فقد رحل عنها عامة سكانها ولم يبق فيها الا نذر يسير من المفتونين بجمالها وهم متباعدون عن بعضهم و كأن المدينة قد قسمت بينهم فكل واحد يسكن فى حى وحده ! .
انا تبلغ من العمر اثنين و عشرين عاما و هى فى اواخر دراستها الجامعية حيث تدرس التاريخ وهى الان فى الاجازة الصيفية تحمل معها احزانها فقد انفصلت عن حبيبها كريس بعد اربعة اعوام من الاخلاص و الوفاء لكن كان جزائها الغدرو الخيانة .
هاهى انا تجلس فى غرفتها بالساعات الطوال و لا تأكل الا القليل مما يبقيها على قيد الحياة حتى وهن العظم منها وصارت كهيكل عظمى يترنح امام الريح . ولما علم اخوها بحالتها المؤسفة قرر ادامة السكنى بجوارها و الاقلال من السفر فهو يخشى عليها من الاكتئاب و لا اهل لها و لا صديق؛ فقد ماتت امها و ابوها فى رحلة قضياها على متن طائرة غرقت فى البحر .
و بيل هذا يعمل مبرمجا فى احدى الشركات و لا يرغب فى الاستقرار و الزواج و هذه مشكلته مع صديقته سارا فهى من عائلة مسيحية محافظة و تحب بيل و تريد اقناعه بضرورة الزواج الذى يجعل الحب حياة حقيقية و مسؤلية و رسالة بدلا من مجرد قضاء الليالى و النزوات و التى قد تحدث بين اى امرأة و رجل لا يعرفان بعضهما ؛ فما هذا الا تعبير عن الغريزة الشهوانية لا اكثر. و لكنه يرى ان الزواج سجن للحب و تلويث فما الزواج الا علاقة مادية مبنية على المصلحة كأى شركة يهدف شركاؤها الى الربح و متى يجدون الخسارة محققة ينفصلون و يتفرقون .
وفى الصباح الباكر اعد بيل الفطور لاخته على غير العادة و ذهب الى غرفتها كى يوقظها فطرق الباب بهدوء حتى لا ينخلع فؤادها فقد مضت سنوات على اخر مرة يوقطها احد من نومها بطرق الباب كما انها اصبحت مرهفة الحس تتفاجئ من ادنى صوت واقل حركة
بيل :ايتها الجميلة هل لى ان ادخل ؟
ترد انا بصوت فيه تثاؤب و نعاس : لا اريد النوم .
يضحك بيل تلطفا و يقول : سأقضى معك سائر اليوم . هذا خبر سار اليس كذلك ؟ !
ترد انا بنيرة مترددة : انت تكذب .. فمن سيذهب للعمل ؟
بيل : لقد اخذت اجازة لاجل ان اغضبك هذا اليوم" و يضحك بصوت عالى وو يفتح الباب و يجلس على طرف سريرها و هى تقول " اخرج يا حبيبي المعتوه " و تضحك ضحكة كأنها الا تريد ان تتوقف عن الضحك فبمجرد التوقف تعود الالام كوخز الابر فى قلبها .
و بهب فيها النشاط فتتعلق على ظهر اخيها ذى الجثة الضخمة فيحملها على ظهره نحو الحمام و تتعالى الضحكات و صوت الاقدام ليكسر سكون تلك المدينة الهادئة .
يجلس بيل منتظرا اخته حتى تجيئ اليه فى حديقة المنزل ليتناولا الفطور معا وهو امر لا يحدث كثيرا . يتبع