لم تكن المساجد في القرون الأولى مفروشة بالفرش كـما هي في زمـننا هـذا ، لـكـنه ثـبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى عـلى أنواع من الفرش وكذا أصحابه .
ولقد كانت المساجد قديما في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - تفرش أرضيتها بالتراب أو الحصى .
1- ويدل لهذا : عن معيقب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد ، قال : إن كنت فاعلا فواحدة . متفق عليه . الشاهـد : " يسوي التراب " .
وجه الدلالة :
حيث إن التراب كان هو فراش مسجـد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي افترشه هو والمؤمنون في صلاتهم .
2 - عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى ، فإن الرحمة تواجهه . رواه أحمد وأبو داود - ص 113 - الشاهـد : " فلا يمسح الحصى " .
وجه الدلالة :
حيث إن الحصى قد فرش بالمسجد النبوي وبحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
3 - وعن ابن عمر قال : مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة ، فجـعل الرجل يجيء بالحصى في ثوبه ، فـيبسطه تحته ، فلما قـضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما أحسن هذا ! . رواه أبو داود . الشاهد : " ما أحسن هذا " .
وجه الدلالة :
حيث أعجب النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحصى الذي وضـعه الصحابة في المسـجد ؛ مما دل على أن مسـجـد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسـاجد المسلمين كانت تفرش بالحصى الصغار ( الحصباء ) .
وذكـر العلماء - رحـمـهم الله تعـالى - أنه لا يجـوز إخـراج تراب المسجد ولا حصاه للتبرك فـأما تغييره بأحسن منه فهو مرغوب فيـه . وقد قيل : إنه لا يـجوز إخـراج الحصى من المسجد لما ورد في الأثر : إن الحصـاة لتناشـد الذي يخـرجـهـا من المسـجد . رواه أبو داود . - ص 114 - واتخاذ الفرش في زماننا هذا قد انتشر في كـافة البلاد الإسلامـية ، وفرشت المساجد بأنواع من الفرش ، والصلاة على الفرش الموضوعة بالمسجد جائزة إن كانت طاهرة ولم تك حريرا ، ولا مغصوبة ، ولا محرمة . وقد اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في كراهة الصلاة على الفرش التي ليست من جنس الأرض ، كالأنطاع المبسوطة من جلود الأنعام وكالزرابي المصنوعة من الصوف ، على قولين :
القول الأول : يجوز فـرش أنواع الفرش ، ما عدا الحرير ومـا فيـه نجاسة ، والمحرم لكـونه مغصوبا ونحوه . قال بهذا الجـمهور ولم يكره أصحاب مالك - رحـمه الله - الصلاة على الفرش إن كـانت موقوفة للمسجد .
القول الثاني : يـكره أن يسجـد الرجل على الطنافس وبسط - ص 115 - الشعر والثياب والأدم . وهذا قول مالك . الأدلة : استدل الجمهور بما يلي :
1 - ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على حصير . وبساط وخمرة .
2 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحر ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه . متفق علية .
الشاهـد : " بسط ثوبه فسجد عليه " .
وجه الدلالة :
أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يسجدون على ما يفرشونه من ثيابهم ؛ وهذا دليل على جواز ذلك ؛ حيث كانوا يصنعون ذلك وهم - ص 116 - يصلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .
3 - قال ابن حزم : " وصلى ابن مسعود على مسح شعر ، وعمر وابن مسعود وأبو الدرداء صلوا على بساط صوف " .
فـعلى هذا : فإن الصلاة على كل فراش طاهر مباح صحـيحـة بلا كراهـة . وأما مالك - رحـمه الله تـعالى - فقد قال فـي المدونة عنه : " وكـان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافـس وبسط الشـعر والثياب والأدم ، وكـان يقول : لا بأس أن يقوم عليها ، ويركـع عليها ، ويقعد عليها ، ولا يسجد عليها ، ولا يضع كفيه عليها " .
قلت : وأي فرق بين السـجود والركـوع ، فكلها صلاة ؟ ! ، ولا أعلم وجهة هذه الكراهية ؛ والصحـيح قول الجمهور . ولا أعلم أحدا من العلماء كره أو حرم وقف الفرش للمسجد ، ولكـن المسلم إذا وقف فرشا للمسجد لزمه ذلك الوقف .
وحيث ثبت هذا ، فإنه يجوز فرش المساجد بالفرش التي ليس فيها تصاوير ولا زخرفـة وليست بنجسة ، ولا يترتب على فرشها ضرر . وأما ما يفعله بعـض الناس من تخصيص سجادة معينة للصلاة عليها ؛ فـهـذه بدعة ، فـإن كـان الدافـع لها التكـبر فيحرم فرشهـا ، وإن كـان الوسواس فيكره ؛ لأن الوسواس ضار بالمسلم ، وإن كان عادة فهي بدعة مكروهة وإن كان لاتقاء الشمس أو التراب أو الغبار أو نحو ذلك جاز فرشها . - ص 117 - وفـرش المسـجد المستهلكـة ينبغي أن تباع وينتفع بقيمتها ، أو تستغل في مكان آخر ، وتستبدل بخير منها وأصلح