ألفاظ التشهد
ألـفـاظ الـتـشـهــد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
إن تعلم المسلم أمور دينه من أجلِّ الأمور وأعظمها، ومن ذلك تعلمه الصلاة التي هي عمود الدين، وبها يفرق بين الكافرين والمسلمين.
وقد احتوت الصلاة على العديد من الأركان، ومنها ما يسمى بالتشهد وهو الذكر الذي يكون في الجلسة بين الركعتين، وكذا في الجلسة الأخيرة في كل صلاة قبل السلام، ونحب أن نعيش اليوم مع ألفاظ التشهد، فنذكر ما ثبت منها، ونودر بعض معانيها مما جاء في كلام العلماء:
وقد وردت عدة صيغ صحيحة للتشهد تختلف في ترتيب ألفاظ الجزء الأول منها الذي يبدأ بكلمة (التحيات)، وينتهي قبل كلمة (السلام عليك أيها النبي)، وتتفق فيما بعد كلمة (السلام عليك أيها النبي)، وللمسلم أن يتخير من الأذكار التالية أحدها، ويدعو به في التشهد، وله أن ينوع بينها، وأي تشهد أتى به من هذه التشهدات أجزأه؛ علماً بأننا رتبنا هذه الأحاديث بحيث يذكر أولاً ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما ورد في صحيح مسلم، ثم ما دونهما:
1- قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "كنا إذا صلينا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام على جبريل ومكائيل، السلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((إن الله هو السلام، فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله))1.
2- وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه سلم - قال: ((التحيات الطيبات، الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله)).
3- وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: ((التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله))" .
4- وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التشهد: ((التحيات لله، الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)).
فهذه أصح الروايات التي وردت في ذكر ألفاظ التشهد قال الإمام النووي - رحمه الله -: "..فهذه أنواع من التشهد، قال البيهقي: والثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أحاديث: حديث ابن مسعود، وابن عباس، وأبي موسى هذا كلام البيهقي، وقال غيره: الثلاثة صحيحة، وأصحها حديث ابن مسعود..."
5
ويجوز للمسلم أن يعمل بأي الصيغ شاء يقول النووي - رحمه الله -: "واعلم أنه يجوز التشهد بأي تشهد من هذه المذكورات، هكذا نص عليه إمامنا الشافعي وغيره من العلماء - رضي الله عنهم -، وأفضلها عند الشافعي حديث ابن عباس للزيادة التي فيه من لفظ المباركات، قال الشافعي وغيره من العلماء - رحمهم الله -: ولكون الأمر فيها على السعة والتخيير اختلفت ألفاظ الرواة، والله أعلم.."6.
وإن أتى المصلي بشيء من ألفاظ إحدى الروايات هل يجزئه ذلك؟ ويكون قد أتى بالواجب؟
الجواب: أن هناك ألفاظ يجب عليه أن يأتي بها، وهناك ما هو سنة إن تركها لا شيء عليه، فقد ذكر الإمام النووي - رحمه الله - بعد أن أورد أصح روايات التشهد، وذكر بعض الروايات الأخرى فقال - رحمه الله -: "فصل: الاختيار أن يأتي بتشهد من الثلاثة الأول بكماله؛ فلو حذف بعضه فهل يجزئه؟ فيه تفصيل؛ فاعلم أن لفظ المباركات، والصلوات، والطيبات، والزاكيات؛ سنة ليس بشرط في التشهد، فلو حذفها كلها واقتصر على قوله: التحيات لله السلام عليك أيها النبي إلى آخره أجزأه، وهذا لا خلاف فيه عندنا، وأما في الألفاظ من قوله: السلام عليك أيها النبي إلى آخره فواجب لا يجوز حذف شيء منه إلا لفظ (ورحمة الله وبركاته) ففيهما ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها لا يجوز حذف واحدة منهما، وهذا هو الذي يقتضيه الدليل لاتفاق الأحاديث عليهما، والثاني يجوز حذفهما، والثالث يجوز حذف (وبركاته) دون (رحمة الله)، وقال أبو العباس بن سريج - من أصحابنا - يجوز أن يقتصر على قوله: التحيات لله، سلام عليك أيها النبي، سلام على عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأما لفظ السلام فأكثر الروايات "السلام عليك أيها النبي"، وكذا (السلام علينا) بالألف واللام فيهما، وفي بعض الروايات (سلام) بحذفهما فيهما، قال بعض أصحابنا: كلاهما جائز، ولكن الأفضل (السلام) بالألف واللام لكونه الأكثر، ولما فيه من الزيادة والاحتياط"
7.
وللتحيات معنى تعرف به ذكره أهل العلم في كتبهم، فمن ذلك ما قاله الأمام القرطبي - رحمه الله -: "التحية تفعلة من حييت الأصل تحيية مثل ترضية وتسميه، فأدغموا الياء في الياء، والتحية السلام، وأصل التحية الدعاء بالحياة، والتحيات لله أي السلام من الآفات، وقيل: الملك، قال عبد الله بن صالح العجلي: سألت الكسائي عن قوله التحيات لله ما معناه؟ فقال: التحيات مثل البركات فقلت: ما معنى البركات؟ فقال: ما سمعت فيها شيئاً، وسألت عنها محمد بن الحسن، فقال: هو شيء تعبد الله به عبادة، فقدمت الكوفة فلقيت عبد الله بن إدريس فقلت: إني سألت الكسائي ومحمداً عن قوله: التحيات لله، فأجاباني بكذا وكذا، قال عبد الله بن إدريس: إنهما لا علم لهما بالشعر، وبهذه الأشياء، التحية: الملك، وأنشد:
أؤم بها أنا قابوس حتى أنيخ على تحيته بجندي
وأنشد ابن خويز منداد:
أسير به إلى النعمان حتى أنيخ على تحيته بجندي
يريد على ملكه، وقال آخر:
ولكل ما نال الفتى قد نلته إلا التحية
8.
وجاء في مشكاة المصابيح: "(التحيات) جميع تحية، ومعناها: السلام، وقيل: البقاء، وقيل: العظمة، وقيل: السلامة من الآفات والنقص، وقيل: الملك، وقال المحب الطبري: يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركاً بين هذه المعاني، وكونها بمعنى السلام أنسب هنا، وقال الخطابي والبغوي: لم يكن في تحياتهم شيء يصلح للثناء على الله فلهذا أبهمت ألفاظها، واستعمل منها معنى التعظيم، فقال: قولوا: التحيات لله، أي أنواع التعظيم له، وقال ابن قتيبة: لم يكن يحيى إلا الملك خاصة، وكان لكل ملك تحية تخصه، فلهذا جمعت، فكأن المعنى: التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مستحقة لله"
9
ويذكر الشيخ عطية محمد سالم - رحمه الله - كلاماً جميلاً في معنى التحيات، وأنها مما يصرف لله وحده: "معنى (التحيات) ولزوم صرفها لله خاصة، التحيات: جمع تحية، والتحية التكريم قولاً وفعلاً، وهو في الصلاة قول، وتشمل كل عبارات التحية من الحمد والثناء، والعرفان بالجميل، والتكريم؛ كل أنواع التحيات لله وحده، والتحية لله موقعها موقع الحمد لله؛ فهو لا يكون إلا لكامل الذات والصفات، وليس ذلك إلا لله - سبحانه -؛ لكمال ذاته وصفاته، وكذلك التحيات لله، وموجب ذلك موجود؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - صاحب الإنعام {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
10
والإنس فرد من أفراد العوالم، والجن فرد من أفراد العوالم، والنباتات، والحيوانات، فربوبية الله للمخلوقين كلها لله، فاستحق الحمد، وكل ما جاء للإنسان من إنعام ابتداء من إيجاده من العدم ثم هدايته أو إنعامه عليه بالإسلام والتوفيق إلى تلك الصلاة التي هو يصليها، وكل ما كان من إنعام في الدنيا وفي الآخرة من الله {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ}
11
وكما أنك في الفاتحة تقول: {الْحَمْدُ}، أي: كل الحمد مجموع لله رب العالمين؛ فأنت في التحيات تقول: التحيات لله.."
12
وأما الصلوات والطيبات فقد ذكر معناها صاحب مشكاة المصابيح بقوله: "(والصلوات) قيل: الخمس، أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافل في كل شريعة، وقيل: المراد العبادات كلها، وقيل: الدعوات، وقيل: المراد الرحمة، وقيل: التحيات: العبادات القولية، والصلوات: العبادات الفعلية، والطيبات: الصدقات المالية، (والطيبات) أي ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به، وقيل: الطيبات ذكر الله، وقيل: الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء، وقيل: الأعمال الصالحة وهو أعم من القول والفعل، قال ابن دقيق العيد: إذا حمل التحية على السلام فيكون التقدير: التحيات التي تعظم بها الملوك مثلاً مستحقة لله، وإذا حمل على البقاء فلا شك في اختصاص الله به، وكذلك الملك الحقيقي والعظمة التامة، وإذا حملت الصلاة على العهد أو الجنس كان التقدير: إنها لله واجبة لا يقصد بها غيره، وإذا حملت على الرحمة فيكون معنى قوله "لله" أنه المتفضل بها؛ لأن الرحمة التامة لله يؤتيها من يشاء، وإذا حملت على الدعاء فظاهر، وأما الطيبات فقد فسرت بالأقوال، ولعل تفسيرها بما هو أعم أولى فتشمل الأقوال، والأفعال، والأوصاف، وطيب الأوصاف كونها بصيغة الكمال، وخلوصها عن شوائب النقص. انتهى
13
وأما معنى السلام الذي يقال في التحيات فقد ذكره ابن دقيق العيد - رحمه الله - بقوله: "وقوله السلام عليك أيها النبي قيل: معناه التعوذ باسم الله الذي هو السلام كما تقول: "الله معك" أي متوليك وكفيل بك، وقيل: معناه السلام والنجاة لكم كما في قوله - تعالى -: {فسلام لك من أصحاب اليمين}، وقيل: الانقياد لك كما في قوله - تعالى -:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً}،
وليس يخلو بعض هذا من ضعف لأنه لا يتعدى السلام ببعض هذه المعاني بكلمة على، وقوله: السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين لفظ عموم، وقد دل عليه قوله - عليه الصلاة والسلام
((فإنه إذا قال ذلك أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض))، وقد كانوا يقولون: السلام على الله، السلام على فلان، حتى علمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه اللفظة، وفي قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((فإنه إذا قال ذلك أصابت كل عبد صالح)) دليل على أن للعموم صيغة، وأن هذه الصيغة للعموم كما هو مذهب الفقهاء خلافاً لمن توقف في ذلك من الأصوليين، وهو مقطوع به من لسان العرب، وتصرفات ألفاظ الكتاب والسنة عندنا، ومن تتبع ذلك وجده، واستدلالنا بهذا الحديث ذكر لفرد من أفراد لا يحصى الجمع لأمثالها لا للاقتصار عليه، وإنما خص العباد الصالحون لأنه كلام ثناء وتعظيم
14
وفي معنى الشهادتين يقول الشيخ الغنيمان: "فشهادة (أن لا إله إلا الله) يعني: أني لا أعبد إلا الله وحده، وكل معبود من دون الله أكفر به، وأتبرأ منه، ومعنى (أشهد أن محمداً رسول الله) أني أتيقن يقيناً أنه رسول من الله جاء بالشرع، وأني لا أعبد الله إلا بالشرع الذي جاء به، فهو الذي بلغني شرع الله، وهو الذي أكرمه الله - جل وعلا - بالرسالة، فهو رسول يطاع ويتبع، وليس له من الإلهية شيء، فلا يعبد الله إلا بما شرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وجاء به
15
ولوجودها في آخر الصلاة معنى جميل، يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "معنى الشهادتين في التحيات:
ثم شرع له أن يشهد شهادة الحق التي بنيت عليها الصلاة، والصلاة حق من حقوقها، ولا تنفعه إلا بقرينتها وهي الشهادة للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة، وختمت بها الصلاة كما قال عبد الله بن مسعود: "فإذا قلت ذلك فقد قضيت صلاتك، فإن شئت فقم، وإن شئت فاجلس".
وهذا إما أن يحمل على انقضائها إذا فرغ منه حقيقة كما يقوله الكوفيون، أو على مقاربة انقضائها ومشارفته كما يقول أهل الحجاز وغيرهم، وعلى التقديرين فجعلت شهادة الحق خاتمة الصلاة، كما شرع أن تكون هي خاتمة الحياة ((فمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة))
16"17.
هذا والله أعلم، وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين
..:ღ:..
|
|
|
Hgth/ hgjai]
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
آخر تعديل ۩۞۩ رآقـيے بطبعيے ۩۞۩ يوم
10-01-2017 في 09:15 PM.
|