وصف أستاذ الاتصال والعلاقات العامة بجامعة الملك عبدالعزيز، الدكتور بندر الجعيد، اليومين الماضيين بأنهما من الأيام غير الاعتيادية في خارطة العلاقات الدولية والتعاون الاقتصادي، وذلك من خلال القمم الثلاث التي عُقدت في العاصمة الرياض.
الزيارة التاريخية التي يجريها الرئيس الأمريكي أوجدت صدى إيجابيًّا وكبيرًا على جوانب متعددة، منها السياسي والاقتصادي والفكري والأمني والعلمي.. وبالطبع كل هذه الانعكاسات لها تأثيرات محلية وإقليمية.
وأضاف الجعيد: العناوين الثلاثة لهذه الزيارة هي توطيد العلاقات الاستراتيجية السعودية-الأمريكية، من خلال إعلان الرؤية الاستراتيجية السعودية الأمريكية، والحد من التدخلات والتوسعات الإيرانية في المنطقة العربية، وكذلك مكافحة الإرهاب والتطرف الفكري. ونلاحظ ترجمة العديد من هذه العناوين من خلال العديد من الاتفاقيات الثنائية واللقاءات التي عقدت خلال اليومين الماضيين. وبخلاف الاتفاقيات والتفاهمات الثنائية أرسلت القمم الثلاث من الرياض رسائل متعددة للعالم بأن المملكة قادرة وتستطيع توحيد الجهود الدولية لخدمة المصالح الإنسانية، وكان التنظيم الدقيق للفعاليات غير مستغرب على الأجهزة السعودية من خلال القمم السابقة التي عقدت في الرياض وغيرها.
قمم محورية
وعن استضافة المملكة قادة وممثلي 55 دولة، إضافة للولايات المتحدة، قال: كانت قممًا محورية لتعزيز الشراكة والتعاون بين الولايات المتحدة والعالم العربي والإسلامي من أجل مواجهة التطرف، وفتح حوار حول التعايش السلمي. ومثل هذه القمم والمناسبات لها دور كبير في تحقيق واحد من أهداف رؤية 2030، وهو تعزيز دور المملكة كعمق عربي وإسلامي كبير. وتنظيم وعقد القمم الثلاث في الرياض رسالة دولية على قدرات المملكة الدبلوماسية والتجربة السياسية السعودية الناضجة. هذه القمم ستعزز العلاقات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة من أجل مواجهة خطر التطرف والتوسعات الإرهابية الإيرانية. وأحد محاور القمة السعودية الأمريكية والقمة الخليجية الأمريكية هو الحد من السلوك الإيراني في المنطقة. ولا شك أن السلوك الإيراني في المنطقة يزعزع الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. وهناك اتفاق وقناعة بين إدارة الرئيس الأمريكي ترامب ودول الخليج على نقاط عدة: أولاً تفكيك شبكة إيران الإرهابية في المنطقة، وتقويض المنظمات الإرهابية، مثل حزب الله وجماعة الحوثي. وضع حد للتدخلات الإيرانية في المنطقة العربية. إعادة النظر في الاتفاق النووي الإيراني، الذي – للأسف - لا يمنع إيران من امتلاك السلاح النووي. وقد شدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود خلال خطاب للقمة العربية الإسلامية الأمريكية على تاريخ إيران الشائك مع دعم التطرف والإرهاب، وضرورة التحرك لوضع حد لذلك، وهذا تناسق مع حديث الرئيس الأمريكي عن ضرورة تعزيز التعاون الدولي من خلال مركز مكافحة الإرهاب، وكذلك تجفيف منابع تمويل الإرهاب وجذوره الفكرية.
اتفاقيات تاريخية
أخذت الاتفاقيات والمذكرات الثنائية الاقتصادية بين السعودية وأمريكا حيزًا كبيرًا من القمة السعودية – الأمريكية، وهذا غير مستغرب بحكم ثقل المملكة السياسي والتاريخي والديني. ويعد اقتصاد السعودية أكبر اقتصاد مستقر في الشرق الأوسط، وبقيمة تفوق 280 مليار دولار. وستسهم هذه الصفقات والاتفاقيات في نقل المعرفة، وتوطين التقنية، وبناء استثمارات وصناعات واعدة، وستوفر مئات الآلاف من فرص العمل في كلا البلدين. وهناك 110 مليارات دولار خصصت لاتفاق التعاون العسكري وصفقات مع شركات مثل لوكهيد مارتن وريثيون. وشملت الاتفاقيات تعاونًا في مجال الطاقة مع شركات، مثل جنرال إليكترك وداوز كيميكالز واكسون موبيل، وتعاونًا في قطاع التعدين مع شركة موسايك. وتوافقت هذه الصفقة العسكرية مع عزم صندوق الاستثمارات العامة على إنشاء شركة وطنية للصناعات العسكرية؛ ما سوف يخلق فرص عمل تزيد على 40 ألف فرصة عمل مباشرة، معظمها في مجال التقنيات المتقدمة والهندسة، وسوف تولد أكثر من 30 ألف فرصة عمل غير مباشرة. والهدف من مشاريع التصنيع الوطنية العسكرية هو زيادة الإنفاق العسكري الداخلي لرفع نسبة الإنفاق الحالية من 2% لتصبح 50% بحلول عام 2030م. وبخلاف خلق فرص عمل سوف يكون لها تأثير إيجابي على الناتج المحلي الإجمالي للمملكة وميزان المدفوعات السعودي.
وفي خطوة من خطوات إعادة هيكلة الاستراتيجية الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة يُعد الاتفاق الموقَّع مع سوفت بانك الياباني من أجل إطلاق صندوق رؤية سوفت بانك واحدًا من أهم الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة؛ لما له من عوائد ربحية ومخاطرة متوازنة. ومن عوامل قوة الصندوق دخول شركاء استراتيجيين، مثل شركة أبل ومبادلة الإماراتية، وسوف تصل قيمته عند الانطلاق بعد ستة أشهر إلى قرابة 100 مليار دولار. ومن الضروري ربط مثل هذه الخطوة بالاتجاه الذي أعلنه الصندوق في تنويع المحفظة الاستثمارية؛ لتشمل استثمارات خارجية وأصولاً وسندات وصكوكًا؛ وذلك لرفع نسبة الاستثمارات الخارجية بما يفوق النسبة الحالية 10%. ولا بد من الإشادة بالأسلوب المتأني والدقيق الذي يستخدمه الصندوق في اتخاذ قراراته الاستثمارية.
وفي خطوة إيجابية لتذليل الصعوبات والعقبات أمام الاستثمارات الخارجية تم الترخيص لـ 23 شركة أمريكية بالعمل في المملكة، ولكن بملكية أجنبية كاملة بنسبة 100%. وهي خير دليل على عزم المملكة استقطاب المزيد من رؤوس الأموال الخارجية وزيادة المحتوى المحلي. والشركات الأمريكية ليست حديثة عهد بالمملكة؛ إذ بلغ عدد الشركات الأمريكية في الخمسينيات الميلادية ما يزيد على 200 شركة، كان لها الأثر الكبير في سد احتياجات التنمية السعودية، والاستفادة من الخبرة والتجربة الأمريكية.
وحضور مجموعة من الرؤساء التنفيذيين لمجموعة من الشركات الأمريكية، مثل بنك سيتي قروب ومورجن ستانلي وجنرال إلكتريك وشركة داو للبتروكيماويات وسيسكو وشركة بلاكروك للاستثمارات وشركة كارالايل لإدارة الأصول وشركة اكسون موبيل وبايكر هيوز.. هو دليل على نية رجال الأعمال الأمريكيين في زيادة التعاون الاستراتيجي، واقتناص فرص جديدة. وارتقاء مجلس الأعمال السعودي - الأمريكي بأعماله لمستوى منتدى سنوي للرؤساء التنفيذيين يؤكد متانة العلاقات الاقتصادية، وينتقل بأعمال مجلس الأعمال السعودي - الأمريكي إلى مستوى أكثر كفاءة من أجل الارتقاء بالعلاقات الثنائية.
مواجهة التطرف
ويستطرد الدكتور الجعيد: دائمًا المملكة في مقدمة الدول في مواجهة التطرف والإرهاب؛ وإن قمة الرياض العربية الإسلامية الأمريكية تمخضت عن اجتماع القيادة الأمريكية مع قادة العالم الإسلامي من أجل بناء شراكات قوية وفعالة من أجل مكافحة ومنع التهديدات المتزايدة من الإرهاب، من خلال تعزيز قيم التسامح والاعتدال، ودعم نشر الحوار الإيجابي. وافتتاح المركز العالمي لمكافحة الإرهاب واحد من نتائج القمة، إضافة إلى الرسائل حادة اللهجة ضد المؤسسات الإيرانية الداعمة للإرهاب في العالم العربي، وكذلك التوجه الدولي الجاد للقضاء على المليشيات الإرهابية مثل حزب الله وجماعة الحوثي والجماعات الإرهابية في العراق. وهناك تجارب إيجابية سابقة للمملكة في مواجهة التطرف من خلال المراكز العلمية والفكرية، مثل مركز الملك عبدالله لحوار الأديان في فيينا ومركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة ومركز الأمير خالد الفيصل للاعتدال.
ولم تغفل المملكة أهمية اللقاءات الحوارية والفكرية خلال اليومين الماضيين، وذلك من خلال عقد منتدى الرياض لمكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب الذي يجتمع فيه مجموعة من الباحثين من أجل تبادل الأفكار والأبحاث بهدف إثراء الإنتاج الفكري في المنطقة العربية من أجل تعزيز العمل المشترك. وكانت انطلاقة ملتقى (مغردون) برعاية من جمعية مسك الخيرية بعنوان (محاربة التطرف والإرهاب) مناسبة مهمة من أجل تسليط الضوء على الدور التأمل من وسائل الاتصال الاجتماعي، وحث الشباب على التعاون مع الحكومات والمنظمات ذات الصلة للتصدي للشائعات حول الإرهاب والتطرف على شبكات الإنترنت، وتوعية الشباب بضرورة حس المسؤولية عند استخدام الإنترنت، وتأثيرهم الإيجابي في مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي.
إيجابيات علمية
ويضيف الدكتور الجعيد بأن الجوانب العلمية والثقافية كان لها حيز من برنامج زيارة الوفد الأمريكي؛ وذلك من خلال اطلاعهم على جانب من الجوانب التي ترعاها حكومة المملكة، من خلال دعم فئة الفنانين من الشباب؛ وذلك من خلال عرض جزء من أعمال الفنانين والفنانات السعوديين في معرض الفن المعاصر السعودي. وكان لاستضافة الوفد الأمريكي في مركز الملك عبدالعزيز التاريخي رمزية ورسالة ثقافية. وكان للجانب البحثي مجال في هذا الزخم من الاتفاقيات والمذكرات من خلال توقيع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية 10 اتفاقيات تعاون علمية مع جامعات أمريكية مرموقة، مثل معهد ماساتشوستس للتقنية، ومعهد كاليفورنيا للتقنية، وجامعة ستانفورد، وجامعة كاليفورنيا سان دييغو، وجامعة كاليفورنيا بركلي، وجامعة ميتشيغان، وجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، وجامعة كاليفورنيا سانتا باربارا، وذلك ضمن مبادرة قادة التقنية ضمن برنامج التحول الوطني 2020 لتطوير العمل البحثي. وتعزز هذه الاتفاقية توطين المعرفة، وتطوير الكوادر البشرية في المملكة.