التحذير من اللعن
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد..
فمن الذنوب العظيمة التي حَرَّمها الله ورسوله، وتوعد فاعلها في الآخرة: اللعن، واللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله.
روى أبو داود في سننه من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّه، وَلَا بِغَضَبِهِ، وَلَا بِالنَّارِ" .
ومن لعن مؤمنًا فكأنما قتله، روى البخاري ومسلم من حيث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيء فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لعن مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ" .
وروى الطبراني في الأوسط من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابًا من الكبائر .
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن اللعنة إذا لم تجد لها طريقًا رجعت إلى صاحبها، روى أبو داود في سننه من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللعنة إِلَى السَّمَاءِ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا" .
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّه! وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: "يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ" .
وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن اللعن ليس من صفات المؤمنين المتقين، روى الترمذي في سننه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ" .
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" . معناه: لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار، ولا شهداء، فيه ثلاثة أقوال أصحها وأشهرها: لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات، والثاني: لا يكونون شهداء في الدنيا، أي لا تقبل شهادتهم لفسقهم، والثالث: لا يرزقون الشهادة وهي القتل في سبيل الله .
ولما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ادع على المشركين، قال: "إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً" .
قال الإمام النووي رحمه الله: "اعلم أن لعن المسلم المصون حرام بإجماع العلماء"، وقال ابن تيمية رحمه الله: "الإجماع منعقد على تحريم لعن المعين من أهل الفضل".
وفي هذا الباب قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا، ولَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". فيه الزجر عن اللعن وأن من تخلق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى، وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضًا وكالجسد الواحد، وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فمن دعا على أخيه المسلم باللعنة وهو الإبعاد من رحمة الله تعالى فهو من نهاية المقاطعة والتدابر، وهذا غاية ما يوده المسلم للكافر، ويدعو عليه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح "لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ". لأن القاتل يقطعه عن منافع الدنيا وهذا يقطعه عن نعيم الآخرة ورحمة الله تعالى، وقيل: معنى لعن المؤمن كقتله في الإثم، وهذا أظهر".
وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن لعن العاصي يعين الشيطان عليه، روى البخاري في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلًا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الله وكان يلقب ****ًا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأُتي به يومًا فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّه مَا عَلِمْتُ إِلَّا أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ". وفي رواية: "لا تَكُونُوا عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ ".
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن أي شيء من الدواب، أو الحيوانات، أو الجمادات كالريح والحمى، والدهر، روى مسلم في صحيحه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا، فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ " .
وروى أبو داود في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رجلًا لعن الريح، وقال مسلم: أن رجلًا نازعته الريح رداءه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلعنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا تَلْعَنْهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ".
ومما تقدم يتبين لنا أن اللعن كبيرة من كبائر الذنوب، ويخشى على فاعلها من العقوبة في الدنيا والآخرة، وأن ما يفعله بعض شبابنا اليوم من تبادل بعضهم التحية بالتلاعن هو أمر منكر وخطير جدًا، قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَهْوِيِ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ". ولذلك فإن من الواجب على الآباء والأمهات تحذير الأطفال منه حتى لا يعتادوا عليه إذا كبروا، وكثير من الناس في البادية وغيرها يكنون عن اللعنة بقولهم: الكلمة الشينة، تنزيهًا لألسنتهم عن النطق بها، وهذا دليل على سلامة الفطرة، وتزكية النفس، وتطهير اللسان.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
|
|
hgjp`dv lk hgguk
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|