(( لا يزالُ قلبُ الكَبيرِ شَابًّا في اثنتين : في حُبِّ الدُّنيا ، وطُولِ الأمَل ))
رواه البُخاريُّ من حديثِ أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عنه .
طُولُ الأمَلِ :
حِرصٌ ومُداومةُ الانكبابِ على الدُّنيا ،
مع إعراضٍ عن الآخِرة .
قال اللهُ تعالى : ﴿ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ *
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾
الحِجر/2-3 .
طُولُ الأمَلِ : مَرَضٌ قلبيٌّ ، يُعلِّقُ النَّفسَ بالدُّنيا ،
فتُعرِضُ عن عَملِ الآخِرة .
عن أنسٍ - رَضِيَ اللهُ عنه - قال : خَطَّ النبيُّ - صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم - خُطوطًا ، فقال : (( هذا الأمَلُ وهذا
أجَلُهُ ، فبَينَما هو كذلِكَ إذْ جاءهُ الخَطُّ الأقرَبُ ))
رواه البُخاريُّ .
في طُولِ الأمَلِ سِرٌّ لَطِيفٌ ؛ لأنَّه لولاه ما تهنَّى أحدٌ بعَيشِ ،
ولا طابت نَفْسُهُ أن يَشرَعَ في عَمَلٍ مِن أعمال الدُّنيا ،
والمَذمُومُ مِنه الاسترسالُ فيه ، والإعراضُ عن الآخِرةِ .
طُولُ الأمَلِ يُذَمُّ إن غَلَبَ فيه حُبُّ الدُّنيا ، وإعراضٌ عن
الآخِرةِ والعَمَلِ لها . ومَن سَلِمَ مِن ذلك لم يُكَلَّف بإزالته ،
وسَبَبُ طُولِ الأمَلِ الجَهلُ بغايةِ الخَلْقِ وحُبِّ الدُّنيا .
لا يَغُرّكَ طُولُ الأمَلِ ، وتذكَّر مَعادَكَ .. كان ابنُ عُمَر
يقول : ‹‹ إذا أمسيتَ فلا تَنتَظِر الصَّباحَ ، وإذا أصبحتَ
ولا تَنتَظِر المَساءَ ، وخُذ مِن صِحَّتِكَ لِمَرضِكَ ، ومِن
حَياتِكَ لِمَوتِكَ ›› .
عَلِمَ المُخلِصونَ حقيقة الدُّنيا ، وتعلَّقَت قلوبُهم بالآخِرةِ ،
ونَصَحُوا لِمَن جاء بَعدَهم ، فحَذَّرُوا مِنَ الرُّكُونِ إلى الدُّنيا ،
والإعراضِ عن الآخِرةِ . فلا غُرورَ بِطُولِ الأمَلِ .
طُولُ الأمَلِ : قال عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه : ‹‹ إنَّ أخوفَ
ما أخافُ عليكم : اتِّباع الهَوى ، وطُول الأمل ، فأمَّا
اتِّباعُ الهَوى فيَصُدّ عن الحَقِّ ، وأمَّا طُولُ الأمَلِ فيُنسِي
الآخِرةَ ›› .
طُولُ الأمَلِ : قال ابنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه : ‹‹ لا يَطُولَنَّ
عليكم الأمَدُ ، ولا يُلهِيَنَّكُم الأمَلُ ، فإنَّ كُلَّ ما هو آتٍ قَريب ،
ألَا وإنَّ البَعيدَ ليس آتيًا ›› .
طُولُ الأمَلِ : ‹‹ كيف يَفرَحُ بالدُّنيا مَن يَومُه يَهدِمُ شَهرَه ،
وشَهرُهُ يَهدِمُ سَنَتَه ، وسَنَتُهُ تَهدِمُ عُمُرَه ، وعُمُرُهُ يَقُودُهُ إلي
أجَلِهِ ، وحَياتُهُ تَقُودُهُ إلي مَوْتِهِ ؟! ›› .
طُولُ الأمَلِ : قِيلَ لِمُحمد بن واسِع : كيف تَجِدُكَ ؟
قال : قَصير الأجَل ، طَويل الأمَل ، مُسييء العَمَل .
طُولُ الأمَلِ : يَدفَعُ إلي المَعصِيَةِ ، ويُبعِدُ عن الطاعةِ ،
وكأنْ لا مَوتَ ولا حسابَ ، ولا دارَ أُخرَى تَرحَلُ إليها .
غَلَبَكَ طُولُ أمَلِكَ ، فأَضَلَّكَ الطريقَ ، وأنهَى زادَكَ ،
وقَرَّبَ هَلاكَكَ .
طُولُ الأمَلِ : اعمل لآخِرَتِكَ ، فلن يَعمَلَ غَيرُكَ لَكَ ،
والناسُ تَنظُرُ لِظَاهِرِكَ ، واللهُ يَنظُرُ لِبَاطِنِكَ ، فأحسِن
مُراقبتَهُ ، واحذره ، والمَوتُ يأتي بَغتةً ، فبَادِرهُ
بالاستعدادِ له .
طُولُ الأمَلِ : قال الفُضَيْلُ بنُ عِيَاض : جُعِلَ الخَيرُ كُلُّهُ في
بَيتٍ واحِدٍ ، وجُعِلَ مِفتاحه الزُّهد في الدُّنيا ، وجُعِلَ الشَّرُّ كُلُّهُ
في بيتٍ واحِدٍ ، وجُعِلَ مِفتاحه حُبّ الدُّنيا .
طُولُ الأمَلِ : الدُّنيا مِثل ظِلِّ الإنسانِ ، إذا طلبتَهُ فَرَّ ،
وإنْ تركتَهُ تَبِعَكَ ، فلا تَركُض خَلْفَها ، فلن تنالَ منها ما
تُريدُه ، واطلُب آخِرَتَكَ ؛ لِتُوهَبَ لَكَ ، فتَكُن مِدادًا لِمَا بَعدها .
طُولُ الأمَلِ : أين مَن رَكَضَ خَلْفَ الدُّنيا ، وجَمَعها في مالٍ ،
أو جاهٍ ، أو مَنصب ؟! تَرَكَ ذلك ورَحَلَ .. وبماذا رَحَلَ ؟!
وأين استقرَّ بعد الرَّحِيلِ عنها ؟! فلا يَغُرّكَ طُولُ الأمَلِ .
طُولُ الأمَلِ : عَمِّرُوا الدُّنيا بطَاعَةِ رَبِّكُم ، وأقيموا
الحَياةَ علي مَنْهَجِهِ وشَرْعِهِ ، ولِسانُ حالِكُم :
( وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَي ) ..