أسلوب الاستفهام في القرآن
من أكثر الأساليب التي تكررت في كتاب الله أسلوب الاستفهام ..
ما يزيد عن مائتين وألف سؤال (بالضبط ١٢٦٠) أغلبها أسئلة يسألها الله سبحانه وتعالى لخلقه !
الأصل في أسلوب الاستفهام في كلام العرب أنه يستعمل للاستفهام عن أمر يجهله السائل وهو في التعريف: طلب خبر ما ليس عندك
أو هو طلب الفهم. هذا من حيث الأصل ولا شك أنه بهذا المعنى -طلب العلم أو الفهم- يستحيل في حق الله سبحانه وتعالى عن كل نقص.
لكن قد يستعمل الاستفهام على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة كقول أحدنا لغيره كم مرة حذرتك من كذا أو نبهتك لكذا.
السؤال هنا بلا شك لا يراد منه حقيقة الاستفهام عن عدد مرات التحذير بل المراد منه مثلا في هذا السياق
لفت النظر لسابق التنبيه واللوم على الوقوع فيه رغم ذلك التحذير المتكرر.ولله المثل الأعلى.
في السياق القرآني يتجلى هذا النوع من الأسئلة بشكل واضح وأسلوب يتميز به القرآن وينبغي الانتباه
له وفهم مقاصده بشكل تفصيلي لإدراك الرسالة القرآنية المرادة بهذا الكم الهائل من الأسئلة.
أحيانا يأتي الاستفهام القرآني ويقصد به التعجب من فعل معين كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّـهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة:28].
وأحيانا يأتي الاستفهام ويراد به العتاب واللوم كقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:16]
وقد فهم الصحابة هذا المراد فقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين!".
وقد يرد الاستفهام ويراد به النفي كقوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99]، أي: أنك لا تكره أحدا على الدخول في زمرة المؤمنين
وهناك استفهام يقصد به التكثير كقوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ} [الإسراء:17].
استفهام يراد به الأمر والطلب كقوله تعالى: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة:91]، أي: انتهوا عن شرب الخمر وقد تجاوب الصحابة مع هذا السؤال قولا وفعلا.
أما القول فإجابتهم: انتهينا يا رسول الله.
وأما الفعل: فإراقتهم للخمر لتجري مغرقة شوارع المدينة النبوية الشريفة.
أيضا يأتي الاستفهام القرآني ويقصد به الترغيب والحض على فعل معين كقوله تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة:245]
وقد تفاعل أحد الصحابة مع هذا السؤال يقال له أبو الدحداح فقال لما سمعه أويستقرضنا ربنا ثم ترجم
تفاعله القولي لتفاعل عملي أيضا فتصدق ببستان كامل كان يمتلكه وقال البستان قرض لله !
ونحو ذلك قوله سبحانه: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ} [النور:22].
وهو السؤال الذي تفاعل معه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فعفا عن مسطح الذي خاض في الإفك وتكلم في عرض ابنة الصديق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
بل وزاد الصديق على العفو إحسانا وأعاد نفقة كان ينفقها على مسطح وكل ذلك كتطبيق عملي لإجابته التي أعلنها قائلا: "بلى يا رب نحب أن تغفر لنا".
وقد يأتي الاستفهام ويراد به الإخبار، كقوله تعالى: {أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} [النور:50]، فالآية تخبر عن المنافقين
وأن أمرهم لا يخرج عن أن يكون في قلوبهم مرض لازم لها، أو قد عرض لها شك في الدين، أو يخافون أن يجور الله ورسوله عليهم في الحكم.
أو قد يراد بالاستفهام حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر ما، كقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف:172]
أي: أنا ربكم. ومنه قوله سبحانه: {أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر:36]، أي: الله كاف جميع عباده.
فليس المراد في الآيتين حقيقة السؤال، وإنما حمل العباد على الإقرار بربوبية الخالق، وكفايته لخلقه.
وبالطبع هناك نماذج أخرى كثيرة من مقاصد الاستفهام في القرآن منها التخويف، كقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:1-3].
ومنها التفخيم كقوله سبحانه: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين:19]
ومنها التنبيه والدعوة للتفكر كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أو قوله:
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ . وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}
ومن ضمن مقاصد الاستفهام القرآني أيضا الت**** كقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ} [الأنبياء:21]
الملاحظ أن جُل هذه الأسئلة القرآنية لم ترد إجاباتها بين دفتي المصحف فالحقيقة أنها رغم عدم كونها أسئلة طلب علم
كما سبق وبينا إلا أن رب العالمين يريد لعباده أن يجيبوها ويتفاعلوا معها كما رأينا في كثير من النماذج السابقة التي اشتركت
في أمر تحدثت عنه في مقال سابق وهو إحساس أصحابها بأنهم مخاطبون بتلك الأسئلة وأن رب العالمين يسألهم هم..
يستبطئهم هم..
يعاتبهم هم..
ينهاهم هم..
يذكرُّهم هم..
من هنا شعروا أن عليهم أن يجيبوا.
ومن هنا أثنى النبي على الجن حين سمعوا آيات من سورة الرحمن فكان تفاعلهم أفضل من تفاعل الصحابة مع السؤال القرآني
ولذا قال: «لقد قرأتها على الجن ليلة الجن ، فكانوا أحسن مردودا منكم ، كنت كلما أتيت على قوله: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
قالوا: لا بشيء من نعمك -ربنا- نكذب فلك الحمد»
هكذا ونحن بين يدي رمضان وقبل أن يحدث المعتاد ويصير مجرد الترتيل هو مقصد البعض علينا
أن تدبر هذا التعامل مع هذا الجزء المهم من أجزاء الخطاب القرآني
جزء السؤال..
السؤال الذي يستلزم تفاعلا وجوابا..
فهل من مجيب..
محمد علي يوسف
Hsg,f hghsjtihl td hgrvNk hghsjtihl
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|