عندما نقلب صفحات التاريخ تستوقفنا قصص لشخصيات أقرب ٳلى الأساطير منها ٳلى الحقيقة، ولا شك أن أكثر الشخصيات تميزا وتأثيرا وأغزرها ٳنجازا؛ هي التي يلبسها البشر حللا من نسج مخيلاتهم ويلحقون بحياتها عجائبا لم تحدث.
وأشهر مثال نستشهد به عن هذا؛ هو قصة الملكة الآشورية الساحرة سامورات التي حرف الإغريق جزءا من حياتها وغيروا اِسمها ٳلى ساميراميس أي الحمامة، وعن سبب تسميتها بهذا الاسم حسب ما جاء في أساطيرهم، أنها خرجت للحياة من بيضة اِحتضنتها الحمامات على ضفة نهر الفرات ورعتها عندما ولدت. ورغم بقاء الفصل الأول من حياة سامورات مبهما، ويكتسي طابعا أسطوريا، إلا أن شخصية هذه الملكة البابلية الأصل وٳنجازاتها حقيقة ساطعة، و جزء مقدس من تاريخ بلاد الرافدين العريقة، حيث اشتهرت بجمالها وقوة شخصيتها وحدة ذكائها. وحسب ما ترويه المراجع التاريخية عنها؛ أنها تزوجت من أداد شمسو الخامس ملك نينوى الذي حكم في الفترة الممتدة ما بين 300-318 ق. م، وأنجبت منه ولدا هو ولي العهد أداد نيراني. وكانت الساعد الأيمن لزوجها ومساعدته في الحكم، وبعد وفاته لم يكن ابنها قد بلغ سن الرشد بعد، فاعتلت عرش المملكة لمدة خمس سنوات ٳلى أن كبر ابنها وسلمته السلطة. شهدت فترة حكمها الكثير من الانجازات العظيمة، حيث أظهرت شجاعة وعبقرية فذة في قيادة الحروب والتوسع بالفتوحات، فاستولت على ميديا وبلاد الفراعنة والجزء الأكبر من الحبشة، ثم اتجهت ٳلى الهند بجيش عظيم إلا انها أخفقت وولت منهزمة مع جيشها. أما على صعيد الإصلاح والتعمير؛ فكانت لها اليد الطولى في الكثير من المشاريع، ومن أهم ما شيدته مدينة آشور بمعابدها الضخمة وقصورها الفخمة، وأحاطتها بالأسوار العالية فغدت أبّهة بلاد الرافدين، كما أمرت ببناء نفق مقبب من الحجر تحت مجرى نهر الدجلة؛ ليوصل بين طرفي المدينة. واستعادت مدينة بابل القديمة وبنت لها حصنا منيعا بالآجر، وجاء في بعض المصادر أنها هي من أنشأت حدائق بابل المعلقة غير أن هذا الخبر فندته مصادر أخرى، ونسبتها ٳلى الملك العراقي نبوخذ نصر. ولأن العظماء يتركون بصماتهم المادية والروحية، فان البابلية سامورات لم يقف طموحها عند التحكم بمقاليد الحكم فحسب؛ بل تعداه ٳلى الجانب الثقافي والعقائدي لحياة الآشوريين؛ فحملت ٳليهم الكثير من طقوس وعادات مدينة الجنوب بابل. ٳن هذه الشخصية الجامعة بين متناقضات القوة الجامحة، والجمال الأنثوي المنتصر كما وصفها الكاتب ويفي ميليفل؛ جعلتها أكثر ملوك الدنيا صيتا عبر العصور، استوحى منها التاريخ والأدب والفن مشاهدا جمالية وبطولية خالدة، تجسدت في مختلف الأعمال المسرحية والسينمائية والنقوش والتماثيل، سواء في موطنها الأصلي العراق أو في بقية دول العالم، فهذا دانتي يخلدها في روايته الشهيرة الكوميديا الإلهية والآخر فولتير في مسرحيته التراجيدية، بالإضافة ٳلى الأوبيرات والأعمال السينمائية والأفلام حيث خصتها هوليود بفلم عنوانه ساميراميس سنة 1973. ولُقّبت باسمها ملكات أروبا تيمنا بها، مثل ماركريت وكاترين الثانية، وحملته الكثير من المراكز السياحية والفنادق ودور التجميل في جميع أنحاء العالم.