المملكة تقود تحالف «الكرامة والمصير الواحد» في تمرين رعد الشمال
د. أحمد الجميعـة
الرسائل السياسية للتعبير عن المواقف من الأحداث والأزمات الطارئة لا تكفي بلا قوة عسكرية تحمي وتردع وتصنع فارقاً في اتخاذ القرار وتحمّل تبعاته، والتصدي بالأفعال وليس الأقوال لكل من يحاول المساس بجغرافيا المكان، وتاريخ النضال المشرّف من الوحدة والتلاحم، والقدرة في التأثير الدولي، وحجز المكانة والتقدير في عالم لا يحترم إلاّ القوي.
المملكة أيقنت منذ وقت مبكر ضرورة التحول من دولة ذات مبادئ سياسية في الحوار، والتشاور، والتعاون المشترك، وعدم التدخل في شؤون الآخرين لتحقيق السلم والاستقرار في المنطقة والعالم، إلى دولة ذات مبادئ ومصالح معاً، وهي مهمة لا يكفيها الصوت السياسي في المحافل الدولية، وإنما بحاجة إلى استعداد عسكري قادر على المواجهة، والتفاوض، والمناورة، وإدارة الصراع، والحسم والعزم إذا وصلت الأحداث إلى حيث تكون في ميادين الشرف والكرامة.
تاريخ المملكة مشرّف في النضال السلمي، ووحدة الصف العربي والإسلامي، والدفاع عن قضايا الأمة، وصون الحقوق، وهي رائدة التضامن الإسلامي الذي أملاه واقعها تجاه خدمة المسلمين في أقدس بقعتين على وجه الأرض مكة والمدينة، وتسهيل وصول قاصديهما، وخدمتهم من الملك إلى أصغر مواطن في مهمة «شرف الدهر»، وهذه المكانة حمّلها مسؤوليات كبيرة حين كانت ولا تزال وجهة المسلمين ليس فقط في أداء نسكهم، وإنما أيضاً في صناعة قرارهم، وتوجهاتهم، وهو ما جعل العالم يحترم هذه المكانة، ويتفهم تأثيرها وأثرها على صياغة مصالحة، ويستعين بها في قراراته، ويشيد بحكمتها، ورؤيتها، ورسالتها في تحقيق الأمن والاستقرار، ولكنه مع كل هذه التفاصيل يدرك العالم أيضاً قوة المملكة وقدرتها على المواجهة حينما يتجاوز أو يحلم البعض المساس بأرضها وإنسانها، و»عاصفة الحزم» خير شاهد على هذه القدرة، حينما فكّرت إيران ومليشيات الحوثي أن تقترب من حدودها.
السياسة السعودية لمن يفهم ستبقى أداة للحوار والتفاهم وتبادل المصالح وشرح المواقف، والقوة العسكرية ستبقى أيضاً لمن لا يفهم «شر الحليم إذا غضب»، ورسالة لكل من تواطأ في مشروع «الفوضى الخلاقة»، أو تجاوز حدود العلاقة والاحترام وعلى رأسها إيران الفارسية التي تحلم بإعادة إمبراطوريتها بالنفوذ والهيمنة، وتصدير ثورتها بتحريك أذنابها للعبث في المنطقة بالوكالة.
المملكة بثقلها السياسي والاقتصادي، ومكانتها الدينية، وقدرتها العسكرية استطاعت أن تقود الأمة في هذا التوقيت الحرج من الفوضى، والانقسام، والتقسيم، وأعادت إليها توازنها، ومنحتها قوة الثبات على الحق، والانحياز إليه، والتصدي بعزم وحزم لكل محاولات «الأقزام» النيل منها، أو تفريق وحدتها، أو التقليل من دورها.. نعم المملكة الدولة الوحيدة في المنطقة القادرة على بناء التحالفات العسكرية، والفاعلة في تحريك قدراتها وتوجيهها نحو العدو المتربص بنا من قريب أو بعيد، وحائط الصد أمام المد الفارسي ومليشياته وإرهابه المكشوف من «داعش» و»حزب الله».. نعم المملكة مصدر ثقة واطمئنان لحلفائها المشاركين معها في خندق واحد استعداداً لأي مواجهة محتملة، ورسالة اطمئنان للعالم من أن هذا الاستعداد ليس إلاّ دفاعاً عن الأرض والإنسان والكرامة.. نعم المملكة لن تعتدي على أحد، ولن تكون كذلك، ولكنها لا تسمح بلغة التهديد بلا ردّ، ولا تقبل التدخل في شؤونها، ولا تسمح لكائن من كان أن ينال من «منجز عبدالعزيز» الوحدوي، أو يثير بين صفوفه المتماسكة في الرخاء قبل الشدة خطاباً طائفياً بغيضاً.
«رعد الشمال» هو خندق الشرفاء الذين يدركون قيمة الوحدة، والمصير الواحد.. هو مشروع التصدي لكل من يحاول العبث أو التطاول على مقدرات الأمة.. هو توقيت يتراجع فيه من يحلم المساس بالخليج وحلفائه..
«رعد الشمال» هو رسالة عن قدرة المملكة في بناء تحالف خلال ساعات وليس أياماً.. وتقدير لمكانتها حين يستجيب معها 14 دولة عربية، وست دول إسلامية، ويلتقون في مناورات عسكرية ناجحة، ويتبادلون الخبرات، ويراجعون الخطط، ويأخذون من التاريخ عبرة، ومن الحاضر همّة، ومن المستقبل أمنية للسلم والتنمية..
«رعد الشمال» رسالة إلى كل جندي وجد معنوياته لا حدود لها وهو يرى قياداته تقف بجانبه، وتناصره، وتشد من عزيمته، وتشيد بقدراته، وتتابع تحركاته في الميدان من دون انتظار تقارير مكتوبة..
شكراً لكل من شارك في «رعد الشمال» من الدول العربية والإسلامية، وشكراً لقياداتهم التي حضرت في صف الوحدة والكرامة.. وشكراً للملك سلمان القائد الاستثنائي في الزمن الصعب والحسّاس الذي منح شعبه قيمة حين يقف مع الكبار بلا خوف أو تردد، ومنحه قيمة الثبات في صف واحد لا ينقسم ولا يتراجع.. وشكراً لولي العهد الذي كان ولا يزال واقفاً ومتيقظاً لكل ما يحاك، وقادراً برؤيته أن يمنحنا الوعي والمسؤولية في تحمّل عبء المواجهة بالفكر، والتغلب على التحديات بالصبر والمشاركة مع رجال الأمن.. وشكراً لولي ولي العهد الذي أشرف على نجاح «رعد الشمال»، وترك فينا عزيمة الأبطال التي لا تنكسر، ولا تهاب، ولا تخشى أحداً، وترك كل مواطن فخوراً بوطنه، ومنجزاته، ومتطلعاً إلى تحقيق أحلامه، وأمنياته، ومشاركاً في مشروع التحول الذي هو أساسه ومستقبله.
رؤية القائد الاستثنائي لمستقبل أمته ووطنه وهما ينعمان بالأمن والاستقرار .. والكرامة