إن تصدق بدرهم واحد ظن أنه وصل إلى الجنة من أوسع أبوابها و ظل يذكر نفسه بهذا الدرهم ..بل الأدهى أنه قد يفعل ذنوياً بعدها على حساب الدرهم سالف الذكر .
لا يتصدق إلا بأبخس الأشياء
و ديدنه و مبدأه في ذلك ( ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع )
فلا يخرج لله إلا ما لا يرضاه هو نفسه أن يستعمله
و لا يدري المسكين أن الأيام دول
وقد يأتي عليه يوم ينتظر أن يجود عليه غيره بما يحتاج
فهل يقبل أن تمتد له يد بمثل ما كان يتصدق به من قبل
يا رجل : قدم لآخرتك و اعلم أنك إنما تعطي لله مما أفاء به عليك
فأنفق مما تحب بل من أفضل مالك و من أفضل ما تحب
و اعلم أن ما تنفقه قد سبقك إلى موقف ستكون أحوج ما تكون فيه إلى هذا الذي تصدقت به .
قال تعالى :
{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ
حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا
تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [ آل عمران 92] .
قال السعدي رحمه الله :
هذا حث من الله لعباده على الإنفاق في طرق الخيرات، فقال { لن تنالوا } أي: تدركوا وتبلغوا البر الذي هو كل خير من أنواع الطاعات وأنواع المثوبات الموصل لصاحبه إلى الجنة، {حتى تنفقوا مما تحبون } أي: من أموالكم النفيسة التي تحبها نفوسكم، فإنكم إذا قدمتم محبة الله على محبة الأموال فبذلتموها في مرضاته، دل ذلك على إيمانكم الصادق وبر قلوبكم ويقين تقواكم، فيدخل في ذلك إنفاق نفائس الأموال، والإنفاق في حال حاجة المنفق إلى ما أنفقه، والإنفاق في حال الصحة، ودلت الآية أن العبد بحسب إنفاقه للمحبوبات يكون بره، وأنه ينقص من بره بحسب ما نقص من ذلك، ولما كان الإنفاق على أي: وجه كان مثابا عليه العبد، سواء كان قليلا أو كثيرا، محبوبا للنفس أم لا وكان قوله { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } مما يوهم أن إنفاق غير هذا المقيد غير نافع، احترز تعالى عن هذا الوهم بقوله { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } فلا يضيق عليكم، بل يثيبكم عليه على حسب نياتكم ونفعه