هل تثقين به؟ هل تثق بها؟
(1)
"أنا لا أثق بزوجتي، ولو كانت ظروفي المادية تسمحُ لتزوَّجْتُ بامرأة أخرى؛ فمنذ السنة الأولى لي معها أحداث كثيرة، ووقائع كشفَتْ لي أنها كانت تكذب عليَّ، وتحاول إقناعي بأشياءَ غيرِ صحيحة، حاولت في كلِّ مرة تغليبَ حسنِ الظن والاستيضاح، إلا أن كذبَها كان يتأكَّد بما لا يَدعُ للشك مكانًا، ووصل بي الحالُ الآن وبعد عشر سنوات من الزواج ألَّا أثقَ بأيَّة كلمة تقولُها، بل تراني داخلَ نفسي أشكِّك بكل ما يصدرُ منها أمامها، وأعتبره نوعًا من لبس الأقنعة؛ لِتُقنعَني بما ترغب".
(2)
"أنا لا أَثِقُ بزوجي؛ فهو دائمًا يكثر من المبالغات، وينسجُ الحكايات التي تصنع منه دائمًا بطلًا أو رجلًا فريدًا من نوعه، الآن وبعد سنواتٍ عدَّة على زواجنا، وانكشاف جميع قصصه وأكاذيبه، لا أكادُ أصدِّق كلمةً مما يقول، صحيحٌ أنني لا أخبرُه بذلك، بل أكتفي بحصرِ الشكِّ داخلَ نفسي، وأحاول أن أذكِّره بصعوبة تصديق ما يقول أحيانًا، فيغضب، ويصرخ قائلًا: هل تكذبينني؟! هذا ما تبقَّى، لا أشعرُ أنه رجلٌ يُعتمَد عليه، بل أستمرُّ في حياتي معه لأنه لا خيارَ آخر أمامي؛ فلست مستعدَّة للتضحية ببيتي وأبنائي".
(3)
"منذ زواجي - ولسذَاجتي - أخَذْت أطلعُ زوجي على خصوصيَّات أهلي ومشاكلهم، وخلافات إخوتي وأخواتي... وأصبح من عادتِه أن يستفسِرَ مني باستمرارٍ عن آخر أخبارِهم ومشاكلهم، وأنا أُجيبه بشفافيةٍ؛ معتقدة أنه جزءٌ من حقه، إلا أنه اتَّخذ من مشاكل أهلي وخصوصياتهم التي كنت أخبرُه بها سببًا يُعايرني به عند كلِّ خلاف بيننا، ويُهدِّدني أحيانًا بأنه سيقولُ ما يعرف، ويفضحني وأهلي أمام الناس، وأخذ سوءُ التفاهم بيننا يتصاعَدُ، حتى وصل إلى نقطة اللاعودة؛ عندما انقطع حبلُ الثقة بيننا، وأندم الآن بشدة على الثقة الزائدة التي أَوْليتُه إيَّاها!".
(4)
"أحتفظ ببعض الأسرارِ التي تخصُّ أهلي وصديقاتي وحياتي السابقة قبل ارتباطي بزوجي لنفسي، ولا أعتقد أن للأسرار هذه علاقةً بالثقة بيني وبين وزوجي، كما لا يوجد لديَّ أيُّ استعداد للبَوْحِ بها له مهما كان السبب".
♦♦♦
قد يتحمَّل الزوجان الفقرَ معًا، وقد يستوعبان غيابَ قدرة أحدِهما على إنجاب الأطفال، وقد يستمرَّان معًا في الوقت الذي يغيب فيه الحبُّ لتحُلَّ العشرة محلَّه، وتصبح العائلةُ الكبيرة هي الرابطَ بينهما... ولكن العَلاقة الزوجية أبدًا لا يمكنُها الاستمرارُ بشكلٍ طبيعي إذا غابت ثقةُ كلِّ طرف بالآخر عنها.
تُعتبَرُ الثقة بين الأزواج من أهمِّ الأسرار المؤدية للوِفاق والأمان؛ فهي الاطمئنان الواعي، الذي يُفضِي للحبِّ والاحترام العميق والطمأنينة، والصدق هو الركيزةُ الأساسية للثقة، فإذا وُجد وُجدت الثقة، وإذا انعدم الصدقُ أو غاب - ولو غيابًا جزئيًّا - حلَّ الشك والقلق مكان الثقة؛ فاختلَّت الثقة وتزعزعت، وتصدَّعت على إثر ذلك العلاقةُ الزوجية برُمَّتها، بشكلٍ قد يَصعُب علاجُه، وقد تفضي بها إلى التمزُّق والانهيار، والبناء دائمًا صعبٌ وشاقٌّ وطويل، بينما الهَدْم سهلٌ وسريع، فبناءُ الثقة يبدأ ببَذْلِ الجهد في بنائها، والانتباه لها منذ اللحظات الأولى للارتباط؛ لتظهر آثارُها بعد ذلك على الحياة الزوجية.
وحين تكونُ الصراحة والشفافية التي لا تجرحُ مشاعرَ الطرف الآخر هي النَّمطَ السائد، تجد أن الثقةَ هي السِّمةُ الغالبة فيها، فإذا حدَث سوءُ فهمٍ لسببٍ ما، أو وضع أحدُ الطرفين نفسَه في شبهة، ولَّدت الشكَّ في نفس الطرف الآخر، لا بدَّ لذلك الطرف أن يسارعَ لإزالة الشكِّ بعقلانيَّة وتأنٍّ من نفس شريكه بفتح الموضوع بشفافية، ويصارحه بتفاصيل ما حدَث، ويُؤكِّد له بأنه لا يكذبُ عليه، ولا يخون ثقتَه (ويكون ذلك بالأفعال وليس بالأقوال فقط) ويؤكِّد له على أن رضاه هو الأهم عنده، ويجبُ الانتباهُ إلى أن العِناد والتكبُّر واعتبار ذلك تشكيكًا في إخلاصه لشريكه، يؤدي إلى ترجيح كفَّة الشك؛ وتكون الخسارةُ هي النتيجةَ الأكيدة في نهاية الأمر!
ليست المرأةُ فقط هي من يقوم ببناء الثقة؛ إنما يشاركُ الرجلُ في ذلك أيضًا، وقبل أن يطلبَ كلٌّ من الطرفين أن يثق به الآخر، عليه أن يبادِر بإشعار الآخر بأنه موضعٌ لثقتِه وأُهلٌ لها.
وانتبهوا؛ صحيح أن فقدانَ الثقة يهدِّد الحياة الزوجية، إلا أن الإفراطَ فيها أيضًا قد يقوِّض أرجاءها، ويعيث فيها فسادًا؛ فإِطْلاعُ كلٍّ منهما الآخر على خصوصيات أو أسرار تتعلَّق بماضيه أو بأهله أو بأصدقائه، ربما يكون له آثار عكسيَّة على استمرار العَلاقة الزوجية، ولا شكَّ أن لكلٍّ منا أسرارًا يُفضِّل الاحتفاظ بها لنفسه، طالما أنها لا تمسُّ الشريك؛ فالتوازن ضروري، والصراحةُ بشكلٍ ذكيٍّ وواعٍ توثق عُرَى الثقة بين الأزواج، وهي مهمةٌ لاستمرار العلاقة الزوجية بأمانٍ، بعيدة عن تجاذبات المدِّ والجزر الناتجة عن تخلخلها.