خطبة الأولى:
أما بعد: فإن كلَّ مؤمنٍ حريصٌ على أن يزداد في عمره من الحسنات؛ فهذه الدار هي دار التزود من الأعمال الصالحة والاستكثار منها؛ لكي يرتاح العبد بعد موته الراحة الحقيقية الأبدية، لما يرى من رضا الله عنه؛ ولما يجد من كرامة ربه وفضله؛ وقد سُئل الرسول: «
من خير الناس؟ قال: من طال عمره وحسن عمله» [صحيح الترمذي: 2329]، ونحن نرى هذا
الموت يتخطف الصغير والكبير والصحيح والسقيم، ولا يدري أحدنا متى يفجؤه الموت، فتنتهي حياته
الدنيا التي فيها يتحصل العبد على زاده لآخرته؛ فالواجب علينا الاجتهاد في التزود لهذا الرحيل.
وقد دلّنا رسولنا الكريم على أعمال وأقوال تجمع بين يسرها وسهولتها؛ وبين أجرها العظيم، الذي تُنـزِل البركةَ في عمره المحدود، وهذه الأعمال هي ما يسمى بـ (الأعمال المضاعفة)، ولعلنا نقف مع بعضها في هذا اليوم؛ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون:
1- حُسن الخلق: روى أبو داود وغيره وصححه
الألباني عن أبي الدرداء: عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
ما من شىء أثقل في الميزان من حسن الخلق» [4799]، وقال صلى الله عليه وسلم: «
صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يَعْمُرْن الديار؛ ويزدن في الأعمار» [صحيح الجامع: 3767]. ومعنى يزدن في الأعمار: أي في بركتها.
2- صلة الرحم: قال صلى الله عليه وسلم: «
من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه» [صحيح
البخاري: 2067]. وبسط
الرزق البركة فيه، وينسأ له في أثره: أي يبارك له في عمره؛ فهي كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة؛ وصيانته عن تضييعه في غير ذلك.
3-
صلاة الجماعة مع الإمام: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة» [
صحيح مسلم: 650].
4- أداء النافلة في البيت: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل الفريضة على التطوع» [صحيح الترغيب:441]. ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «
أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» [
صحيح البخاري: 7290].
5- الصلاة في الحرمين الشريفين: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه» [البدر المنير: 9/517]، وكذلك الصلاة في مسجد قباء لقوله صلى الله عليه وسلم: «
من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه كان له كأجر عمرة» [صحيح الجامع: 6154].
6- التحلي ببعض آداب يوم
الجمعة؛ ومنها ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: «
من غسل واغتسل وغدا وابتكر ودنا من الإمام ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة صيامها وقيامها» [صحيح النسائي: 1380].
7- صلاة الضحى: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى» [صحيح مسلم: 729]. ومعنى " سُلامى " أي: المفاصل والعظام من الإنسان، وهي ثلاثمائة وستون مفصلًا. ووقت الضحى من ارتفاع الشمس بعد الإشراق (أي بعد الإشراق بربع ساعة تقريبًا)؛ إلى قبيل الزوال؛ (قبل أذان الظهر بعشر دقائق تقريبًا). ومن صلاة الضحى صلاة الإشراق، وتكون بعد الإشراق بربع ساعة على الأقل: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
من صلى الغداة – أي الفجر – في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة» [صحيح الترمذي: 586].
8- أداء الصلوات المكتوبة في المسجد: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم» [صحيح الترغيب: 657].
9- أن يكون من أهل الصف الأول: لقول العرباض بن سارية رضي الله عنه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المقَّدم ثلاثًا، وللثاني مرة" [رواه النسائي وابن ماجة] ولقوله صلى الله عليه وسلم: «
إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول» [الترغيب والترهيب:1/231].
10- أن تكون مؤذنًا: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
المؤذن يُغفر له مدى صوته، ويُصَدِّقه من سمعه من رطب ويابس» [صحيح النسائي: 645]. فإذا لم تكن مؤذنًا فقل كما يقول المؤذن: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
قل كما يقولون – أي المؤذنون – فإذا انتهيت فسَل تُعطه» [سنن أبي داود: 542] أي: ادع بعد فراغك من إجابة المؤذن.
11-
الحج والعمرة أو توفيرُ نفقةٍ لمن يحج بها أو يعتمر: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة» [سنن الترمذي: 810].
12- حضور دروس
العلم في المساجد: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يعلمه كان له كأجر حاج تامًا حجته» [صحيح الترغيب: 86].
نسأل الله التوفيق والقبول، أقول ما سمعتم؛ وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
15- صيام ثلاثة أيام من كل شهر: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر، فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك في كتابه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها؛ اليوم بعشرة أيام» [صحيح الترمذي: 762].
16- تلاوة القرآن: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
اتلوه؛ فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات؛ أما إني لا أقول: الم حرف ولكن ألف ولام وميم» [الترغيب والترهيب: 2/302].
17-
الذكر المضاعف: وهو كثير؛ ومنه حديث أبي هريرة المتفق عليه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «
كلمتان خفيفتان على اللسان؛ ثقيلتان في الميزان؛ حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده؛ سبحان الله العظيم» [صحيح البخاري: 6682]، ومن الذكر المضاعف ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عند جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها بُكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال صلى الله عليه وسلم: «
مازلتِ على الحال التي فارقتُك عليها؟ قالت: نعم، فقال: لقد قلتُ بعدك أربع كلمات وثلاث مرات لو وُزنت بما قلتِ مُنذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته» [صحيح مسلم: 2726].
18-
الاستغفار المضاعف: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة» [مجمع الزوائد: 10/213].
19- قضاء حوائج الناس: لقوله صلى الله عليه وسلم: «
لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحبُّ إلي من أن أعتكف في المسجد شهرًا» [صحيح الجامع: 176].
20- الأعمال الجاري ثوابُها إلى ما بعد الموت: ومنها ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: «
أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: رجل مات مرابطًا في سبيل الله، ورجل علَّم علما فأجرُه يجري عليه ما عُمِل به، ورجل أجرى صدقة فأجرُها يجري عليه ما جرتْ عليه، ورجل ترك ولدًا صالحًا يدعو له» [صحيح الترغيب: 114].
هذه بعض الأعمال الصالحة المباركة
المضاعفة الأجر؛ وغيرها كثير، والموفق من اجتهد فيها، بإخلاص لله رب العالمين. وفقنا الله جميعًا لاستغلال الفرص
المضاعفة التي أكرمنا الله بها.