01-19-2015, 10:09 PM
|
|
|
|
"لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون"
خَلَق الله جل وعلا هذا الكون الفسيح الهائل ومنه هذا الكوكب الصغير (الأرض) وأسكن فيه الإنسان بعد أن أخرج أباه من الجنة، وقال سبحانه: {لخَلْقُ السَّمواتِ والأَرْضِ أكبرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر: 57].
ومع هذا يقسم الله العظيم بواحد فقط من الناس وليس غيره فيقول: {لعَمْرُكَ إنَّهُمْ لفِيْ سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]. أيُّ عظمة هذه! وأي جلال وكمالٍ! يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم".
من هنا أبدأ فأقول: إلى أي مدى يستشعر المسلمون حقيقة عظمة نبيهم الكريم؟
أوَ ليس هو الذي أناله الله شرفَ إمامة جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ليلة الإسراء والمعراج؟ ثم أليس هو الذي سيقول له الله جل جلاله يوم المحشر: (سَلْ تُعْطه، وأشفع تُشفّع)؟ بعد أن يعتذر كل الرسل عن ذلك ويقول كل منهم : نفسي نفسي.
أليس هو من يصلي عليه ربه وملائكة ربِّه، فيقول بصيغة الفعل المضارع: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]؟.
أليس هو من امتدحه ربه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، فاستخدم "إنّ" و"اللام" للتوكيد والتأكيد، ونكّر الخُلُقَ وعَظَمَتَهُ ليتسع المدى فيضم الأخلاق العظيمة كلها؟.
ألم يكن هو الذي تفرد بورود ذكره في كتب الأنبياء السابقين؟.
إن فترة الرسالة المحمدية امتدت ثلاثة وعشرين عاماً فقط، وهذه المدة تعتبر قصيرة جداً في عمر الزمن الممتد من بداية الوجود البشري حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ومع ذلك أثبت الرب جل في علاه كل هذا الفضل لخاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم، وبشيء من التأمل يُدْرَكُ السرُّ في ذلك، فقد خلق الله محمداً صلى الله عليه وسلم على عينه، وحفظه وميّزه عن جميع خلقه في كل مراحل حياته: طفلاً فشاباً فرسولاً، فلم تُعرف عنه هنة مطلقاً في جميع مراحل حياته.
خذ مثلاً (مرحلة الطفولة) حيث كان مختلفاً عن الأطفال في سلوكهم المعتاد، ومن ذلك أنه كان مع مجموعة من الأطفال يعملون على نقل حجارة على أكتافهم ليقيموا بها عملاً، فكانوا يرفعون ثيابهم على أكتافهم ليحموها من أذى الحجارة فتنكشف لذلك عوراتهم، فلما أراد أن يفعل ذلك عليه الصلاة والسلام سمع منادياً يقول له: "عورتَك"، فلم يكشفها، وغير ذلك كثير.
وحسبنا من ذلك أيضاً قول الله سبحانه وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} [الفتح: 29]، فالآية ذكرت محمداً الإنسان الذي نشأ في قومه فعرفوا صدقه وفضله وإخلاصه وأمانته، وكان هذا كافياً للإيمان بأهليته للرسالة حتى قبل أن يُبعث عليه السلام، وهذا ما كان من خديجة رضي الله عنها عندما قالت: "إنَّك لتحمل الكَلَّ، وتُعين على نوائب الحقِّ.. واللهِ لا يخزيك اللهُ أبداً"، فاستدلت بعظيم أخلاقه صلى الله عليه وسلم على جدارته بالرسالة. وكذلك فعل أبوبكر الصديق رضي الله عنه وغيره من الصحابة رضي الله عنهم. وبعد ذلك ذكرت الآية {رسول الله}؛ ليجيء الحديث عن الرسالة والوحي الذي أقام الله به الحجة على المخالفين المكابرين.
هذا من جهة.. ومن جهة أخرى إذا ما استعرضت حياته علمت أنه عليه الصلاة والسلام عمل مالم يطقه ولا يطيقه أي إنسان، فمثلاً خذ قول ابن مسعود رضي الله عنه عندما قال: "حتى هممتُ بأمر سوء"! قيل: وما ذلك؟ قال: "هممتُ أن أجلس وأتركه"! وذلك لما لقيه من تعب من طول الوقوف في قيام الليل معه صلى الله عليه وسلم، حيث كان هذا دأبه عليه الصلاة والسلام منذ أن نزلت عليه الآيات الكريماتُ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 2-4].
أو خذ قول مالك بن أنس رضي الله عنه حيث قال: "خدمتُ رسول الله عشر سنين، فما قال لي لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله لم لم تفعله". أي رقي في التعامل الإنساني وضبط النفس هذا؟ ألا يرى أحدنا نفسه يوبخ خادمه أو سائقه في اليوم الواحد ربما عدة مرات؟ وما هذه إلا ومضات قليلة جداً من حياته الجليلة العظيمة.
وعندما نتحدث عن خَتْمِ اللهِ مسيرةَ الأنبياء به نرى في هذا دليلاً على استيفائه الكمال المطلق، وإتمام النعمة المطلقة برسالته الخاتمة، وفوق ذلك جاء القرآن ليعطي أمته الخيرية المطلقة على سائر البشر، حيث قال الله في قرآنه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ} [آل عمران: 110].
ومع كل هذا التميز والتفرد يأتي تواضعه صلى الله عليه وسلم ليضيف إلى العظمة مزيداً من الجلال والجمال فهو الذي قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبدُالله ورسوله). وقال في موضعٍ آخر: (إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد ببطن مكة).
وحتى في عصرنا الحاضر والعداء للإسلام ورسوله غير خاف على أحد عدّ كاتبهم محمداً صلى الله عليه وسلم الشخصية الأولى من بين مئة شخصية من العظماء. وقال آخر: لو كان محمد بيننا لاستطاع حل مشاكل العالم كلها في جلسة وهو يشرب القهوة.
ليس هذا إلا نزراً يسيراً يسيراً جداً جداً من هذا الجلال والبهاء والعظمة في السيرة المحمدية العطرة، كتبتُه لأذكر نفسي والقارئ بالمكانة العظيمة اللائقة بمحمد صلى الله عليه وسلم في دنيا الناس عموماً، وفي دنيا المسلمين خصوصاً، ويجيء هذا التذكير في ذكرى مولده الشريف لا لنتغنَّى بذلك، وننشد الأناشيدَ، ونقيم الحفلات، بل ليستقرَّ في نفوسِنا أنَّ الحبَّ الحقيقيَّ له صلى الله عليه وسلم إنما يكون -بعد حبِّ شخصِهِ وميلِ القلب إليه- باتباع سنته، والسير على منهجه، والفخر والاعتزاز بالانتساب إلى حزبه. وأخشى أننا ما زلنا بعيدين عن ذلك، والدليل على ذلك قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] وطاعة الله تستوجب توفيقه ونصره، وقوله أيضاً: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، وحيث إنَّ محبة الله لعباده يلزم منها توفيقه لهم في شئون الحياة كلها لأنه سبحانه قال في الحديث القدسي: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به..)، وبما أن أمة الإسلام -وللأسف- ما زالت في المؤخرة فمعنى ذلك أن شرطَيْ اتباع الرسول وطاعته لم يتحققا.
يكثر الكلام في هذه الذكرى على الحلِّ والحرمة، وندخل في متاهات كثيرة، وننسى أنّ نعم الله علينا تستوجب الشكر، ولعل أعظم نعمة أنعم الله بها على الخلق بعثته لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا التذكير إنما هو وسيلة لإعادة الخَلْقِ إلى طريقه وسنته، ورَدِّهِمْ إلى جادته وهديه، وبذلك نكون قد أدينا حق شكر النعمة أو بعضاً منه.
وأختم بسؤال الله جل في علاه أن يوفقنا جميعاً لاتباع هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنته، وأن يجعلنا ممن يستخدمهم في إعادة المسلمين إلى طريقه، ودعوة غير المسلمين إلى شرعته. ولعلي أتحفكم قبل الانصراف ببيت حسان رضي الله عنه:
وما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقد وقول أمير الشعراء:
وُلدَ الهدى فالكائنات ضياءُ وفمُ الزمان تبسُّمٌ وثناءُ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
"gulv; Ykil gtd s;vjil duli,k"
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-20-2015, 12:41 AM
|
#2
|
رد: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون"
"ﻃﺮﺡ ﺭﺍﺍﺋﻊ*
ﺳﻠﻤﺖ ﺍﻻﻳﺎﺍﺩﻱ*
ﻧﻨﺘﻈﺮ ﺟﺪﻳﺪﻙ ﺑﻜﻞ ﺷﻮﻕ*
ﺗﺤﻴﺎﺗﻲ
*
""
"
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-20-2015, 02:08 AM
|
#3
|
رد: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون"
جزَآك آللَه خَيِرآ علىَ طرحكَ الرٍآَئع وَآلقيَم
وًجعلهآ فيِ ميِزآن حسًنآتكْ
وًجعلَ مُستقرَ نَبِضّكْ الفًردوسَ الأعلى ًمِن الجنـَه
حَمآك آلرحمَن ,,
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-20-2015, 04:35 AM
|
#4
|
رد: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون"
جزــآآك الله خير ع ـآآلطرح
وجعله في ميزـآآن حسنـآآتك ..
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-20-2015, 06:44 AM
|
#5
|
رد: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون"
شكراً لأناملك التى خطت هذا الإبداع وهذا الجمال بإنتظار إبداعاتك القادمة.. لك منى كل الود والإحترام
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-20-2015, 09:32 AM
|
#6
|
رد: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون"
جزاك الله خيرا
وبارك فيك ورفع قدرك
وغفر ذنبك وأعانك على ذكره وشكره وحسن عبادته
وجعلك من أحب خلقه إليه
وأدخلك جنته بلا حساب ولا عقاب
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-21-2015, 10:33 AM
|
#7
|
رد: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون"
جزاك الله خير وبارك الله فيك
موضوع قيم
ارق تحية
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-21-2015, 10:40 AM
|
#8
|
رد: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون"
يعطيك العافيه على الطرح القيم والمفيد
جزاك الله كل خير وجعله فى ميزان
حسناتك يوم القيامه تسلم
الايادى وبارك الله فيك
دمت بحفظ الرحمن ....
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-21-2015, 02:48 PM
|
#9
|
رد: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون"
نجوم
اسعدني تواجدك المعطر بنسيم الجنااان
اسال الله العظيم ان يجعلنا من اهل القران
جزاك الله جنة عرضها السموااات والارض
ع هذا المرووور الرائع
بارك الله فيك
دمت في حفظ الرحمن
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-21-2015, 02:49 PM
|
#10
|
رد: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون"
عازفة الاوتار
اسعدني تواجدك المعطر بنسيم الجنااان
اسال الله العظيم ان يجعلنا من اهل القران
جزاك الله جنة عرضها السموااات والارض
ع هذا المرووور الرائع
بارك الله فيك
دمت في حفظ الرحمن
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 02:34 PM
| | | | | | | | | |