وهناك آية ذات مغزى اجتماعي هام من هذه الناحية، ففيها يقول القرآن: “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً” ( سورة الإسراء – الآية 16).
التعاون والتنازع بين البشر هما أساس التفاعل الاجتماعي
إن التنازع عنصر أساسي من عناصر الطبيعة البشرية فكل إنسان يحب الرئاسة وهو لا يتردد عن التنازع والتنافس في سبيلها إذا وجد في نفسه القدرة على ذلك، وهذا الرأي أصبح محورا لكثير من نظريات علم الاجتماع الحديثة فالتنازع والتعاون هما دعامتا الاجتماع البشري فهما يخلقان ما يصطلح عليه الوردي بـ “التدافع الاجتماعي” الذي إذا خلا منه أي مجتمع فإن مصيره سيكون الركود والانحطاط في حين يشكل وجوده حافزا للإنسان نحو العمل المثمر والإبداع.
حب المكانة والسلطة أساس التنازع بين البشر
عندما نقوم بأخذ مثال على طريقة عيش نحلة هذا الكائن البسيط الذي نجده مثالا فكل نحلة في هذه الخلية تسعى نحو القيام بوظيفتها الاجتماعية من غير اعتراض أو تذمر أو احتجاج على عكس ما يكون عليه دور ملكة النحل التي تكون آمنة على حكمها وسبب هذا أن النحل يتحرك في عمل حركة غرائزية تشبهه بعض الحركات الآلات التي قد لا نشعر بذاتها أو بوجودها حتى ما المجتمع البشري فقد تطور بصورة مستمرة فلقد أصبح إنسان الآن عندما يريد أن يقوم بخدمة مجتمعة أن يحصل مقابل تلك خدمة على خدمة أخر مقابلها وقد أصبحت غريزته لا تدفع إلى الخدمة الاجتماعية إنما أصبح يرى أن الخدمة بدافع حب المكانة والظهور من جهة ومن أجل الحصول على القوة والسلطة من جهة أخرى.
أنانية الإنسان تحول دون التفاعل الاجتماعي
الإنسان، كما نلاحظه اليوم وكما نلاحظه قديمًا على توالي الدهور الماضية أنانيٌّ يعيش داخل قوقعته الذاتية وهو لا يرى الحقيقة إلا من خلال هذه القوقعة المحصنة إنه يرى نفسه أفضل من أقرانه فإذا رأى قريناً له ينال بين الناس منزلةً أرفع من منزلته حنق وتألم ونسب إلى الناس الظلم أو العاطفة الخبيثة. وهنا يرد إلى ذهننا الفكرة السائدة لدى بعض الناس عن وجود مؤامرة كونية إذ لا تفسير يقبله العقل لهذه الفكرة ومعظم الأدلة التي ترد واهية تُختلق فقط لتعزيز الفكرة إذ تتحول هنا القوقعة البشرية إلى قوقعةٍ تقف في وجه تفاعل الجماعة مع باقي المجتمعات، وكلما ازدادت حنكة الإنسان وتجاربه ضعفت فيه تلك النظرة و لكنها لن تموت أبداً.
أنانية الإنسان تخلق التنافس والتنازع الهادم
الإنسان مجبولٌ أن ينسى مساوءه ويتذكر محاسنه تذكراً لا يخلو من مبالغة، وهنا نستذكر أيضاً حديث بعض القوميات عن تاريخهم إذ نكاد لا نسمع اعترافاً واحداً منهم عن إحدى مساوئ تاريخهم القريب أو البعيد، ولا ننكر أن هذه النظرة القوقعية قد تؤدي أحياناً إلى الكثير من المكايدات الدنيئة والمؤامرات التي تضر أكثر مما تنفع هذا ولكننا يجب أن نذكر بأن لكل شيء ثمناً وأنّ ليس في الدنيا خيرٌ يخلو من شرٍ كما أشار إلى ذلك ابن خلدون، فكل إنسان يحبُ نفسه ويتكالب في إعلائها فينتج عن ذلك التنازع الضار كما ينتج عنه التنافس النافع وليس من الممكن الفصلُ بين هذين الوجهين.
المجتمعات المتخلفة تمزق الوحدة و التفاعل الاجتماعي
ومما هو جديرٌ بالذكر أن المجتمع المتأخر قد يحرض أفراده على التنازع الضار أكثر مما يحرضهم على التنافس النافع. ويرد ذلك إلى القيم الاجتماعية السائدة في هذا المجتمع، والتي تم تكريسها خلال مئات السنين، فنحن لا نزال متأثرين بقيم البداوة ومعنى هذا أننا بدو بلباس الحضر، والقيم البدوية لا تلائم حياة المدنية الجديدة. ومشكلتنا اليوم أننا نتشدق بأفكار الحضارة ثم نجري في حياتنا العملية على عادات البداوة، وإن المتمدنين يتكالبون كما نتكلم ولكن تكالبهم يتجه في معظم أمره نحو ناحية الإنتاج الفكري أو المادي. وهنا نخص المجتمع العربي ولكن هذه الظاهرة سائدة في الغالبية العظمى من الوطن العربي وإن ذكر مسمى ”العرب“ يشمل كل من يعد فرداً من أفراد الوطن العربي على رغم تعدد القوميات والاتجاهات الفكرية أو الدينية وقد نصطلح تسمية هذه الظاهرة (القوقعة العربية) والتي تتعدد أسبابها ومما لا شك فيه أن هذه القوقعة فشلت في دفعنا ولو خطوةً واحدةً إلى الأمام وربما السبب الأكبر لذلك هو (القيم الاجتماعية السائدة).
خلاصة الأمر: إن من خصائص كل دعوة إصلاحية جديدة هو أنها تفرّق الجماعة ذلك لأن المترفين يقفون لها بالمرصاد ويقاومونها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا وإذا رأيت دعوة “رنّانة” تدعو إلى وحدة الجماعة فاعلم أنها سوف لا تحرّك ساكنا ولا تُوقظ نائما.