الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الأربعة فيما يتعلق بالجنايات التي تقع من الناس من بعضهم على بعضٍ، وبيان أحكامها:
فالحديث الأول حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنه: أن النبي ﷺ قال: لا يحل دم امرئٍ مسلمٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.
هذا يُبين لنا أن القاتل فيه تفصيل، أما هذه الثلاث فقد أوضح النبيُّ ﷺ أن دمه هدر فيها:
أحدها: النفس بالنفس: كونه يقتل عمدًا مُكافئًا له، كما قال جلَّ وعلا: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45]، فإذا قتل مُكافئًا ليس به مانعٌ قُتِلَ به، أما إذا كان به مانعٌ فشيء آخر؛ كأن يكون مسلم قتل كافرًا، فلا يُقتل به، أو إنسانًا قتل ولده، فلا يُقتل به كما يأتي.
المقصود أنَّ النفس بالنفس إلا أن يكون هناك مانعٌ يمنع، فيكون مُخَصِّصًا لهذا العموم.
الثاني: الزاني المحصن، فإنه يُرجم، وهو الذي قد تزوَّج ودخل بالزوجة –وطئها- والزوجة أو المرأة التي قد تزوجت ودُخِلَ بها ووُطِئَتْ، هذا محصن، فإذا زنا المحصن أو زنت المحصنة رُجِمَتْ ورُجِمَ إذا ثبت ذلك بإقرارهما، أو بأربعة شهودٍ عدول أنهم رأوا الميلَ في المكحلة.
والثالث: التارك لدينه المرتد عن الإسلام: هذا يُقتل لقوله ﷺ: مَن بدَّل دينَه فاقتلوه، وهكذا حديث عائشة في المعنى: زَانٍ مُحْصَنٌ فَيُرْجَمُ، ورَجُلٌ يَقْتُلُ مُسْلِمًا مُتَعَمِّدًا فَيُقْتَلُ، ورَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ الْإِسْلَامِ فَيُحَارِبُ اللَّهَ ورَسُولَهُ -وهو المرتد- فَيُقْتَلُ، أو يُصْلَبُ، أو يُنْفَى مِنَ الْأَرْضِ.
هذا فيه تفصيل -مسألة المحاربين- الرسول ﷺ قطع أيديهم وأرجلهم لما خرجوا من الإسلام في قصة العُرنيين، وهكذا مَن شقَّ العصا وخرج على المسلمين في الطرقات، وفي البراري، وفي القرى يتعرض لهم، فهو من قُطَّاع الطريق، ومن المحاربين لله ورسوله؛ يُقتل، أو يُصلب، أو تُقطع يده، أو رجله من خلافٍ، أو يُنفى من الأرض كما تقدَّم البحثُ في ذلك.
فالخارج من الإسلام تارةً يكون بالردة فيُقتل، وتارةً يكون بالمحاربة فيكون من حدِّ المحاربين كقصة العرنيين.
والحديث الرابع حديث ابن مسعودٍ: يقول ﷺ: أول ما يُقضى بين الناس في الدِّماء، فهذا يدل على شدة خطر الدماء، وأيضًا ما يترتب عليها في الدنيا والآخرة، وأن الواجب على المسلم أن يحذر سفك الدم بغير حقٍّ، فإن سفك الدماء له خطرٌ عظيمٌ، وأول ما يُقضى بين الناس في الدماء .....
وفي حديث معاوية: لا يزال الرجلُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُشرك بالله، أو يسفك دمًا حرامًا، فسفك الدم خطره عظيم، قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93].
فالواجب على المسلم الحذر من أسباب العدوان، وسفك الدماء، حتى لا تقع الكارثة التي فيها الخطر العظيم.
ويقول ﷺ كما في الحديث الرابع: مَن قتل عبده قتلناه، ومَن جدع عبده جدعناه، وفي روايةٍ أخرى: ومَن خصى عبدَه خصيناه.
الحديث هذا يدور على الحسن عن سمرة، وقد اختلف الناسُ في سماعه منه، والثابت إنما سمع منه حديث العقيقة فقط، كما ذكر البخاري رحمه الله وغيره، أما في غيره إذا عنعن فلا يُعتمد إلا أن يعضده دليلٌ آخر يصلح الاعتماد عليه، وهذا الحديث لا يُعتمد فيه؛ لأنه خبرٌ عظيمٌ، وهو القتل، فلا يُعتمد عليه لرواية الحسن عن سمرة، ولكن يُعزر مَن قتل عبده، أو جدع عبده يُعزَّر، على ولي الأمر أن يُعزره ويُؤدبه بما يراه ولي الأمر: من ضربٍ، وجلدٍ، وسجنٍ، وغير ذلك؛ لرد عدوانه وظلمه، ولكن لا يقتصّ به؛ لأنه مملوكه، فلا يقتص به، ولكن يُعزر ويُؤدب، إلا أن يثبت فيه نصٌّ عن النبي ﷺ، أما النص هذا -رواية الحسن عن سمرة- فلا تُعتمد في هذا الأمر العظيم.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: الشاهد في حديث العُرنيين؟
ج: لأنه من المحاربة؛ حاربوا الله ورسوله فقتلهم النبيُّ بقطع أيديهم وأرجلهم، هم من الصنف الثالث: التارك لدينه المفارق للجماعة، هم من الصنف الثالث في حديث عائشة .....
س: "أو" في قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ [المائدة:33] للتنويع، أو للتَّخيير؟
ج: الصواب للتَّخيير، قال بعضُهم: للتنويع، ولكن الصواب للتَّخيير.
س: ما ضابط النَّفي من الأرض؟
ج: الجمهور على أنهم ما يخلوه في بلدٍ، يكون مُتابعًا، يُؤدَّب، يعني: يُؤْذَى، وقال جماعةٌ: معنى النَّفي: الحبس؛ لأنه إذا حُبِسَ نُفِيَ عن الأرض.
س: خاصٌّ بالبلدان الإسلامية؟
ج: نعم، بالبلدان الإسلامية.
س: قلتَ فيما مضى: أن الأصل ثبات رواية الحسن عن سمرة، إلا ما ثبت ...؟
ج: الأصل في هذا أنَّ حديثه فيه نظر، العنعنة ..... صحته من طرقٍ أخرى تقويه؛ لأنَّ الحديث ضعيفٌ، إذا جاء من طريقٍ آخر صار من باب الحسن لغيره.
س: قال الشارح: "وأما مَن مات وهو ينوي القضاء فإنَّ الله يقضي عنه"؟
ج: هذا فيه تفصيلٌ مثلما قال ﷺ: مَن أخذ أموال الناس يُريد أداءها أدَّى الله عنه، ومَن أخذها يُريد إتلافها أتلفه الله، هذا ثابتٌ في الصحيح، إن كانت عنده نية صالحة أنه يستدين، ثم يعجز؛ يقضي الله عنه جلَّ وعلا؛ لأنه ما قصده ظلم الناس، ولا التَّعدِّي عليهم.
س: بعد موته يقضي الله عنه؟
ج: يقضي الله عنه إذا كان قصده حين أخذ الدَّين للحاجة، ما هو لأكل أموال الناس.
س: إن سبق له نكاحٌ صحيحٌ، ثم طلَّق، يُعتبر مُحصنًا؟
ج: نعم إذا كان قد وطئ.
س: وكذلك العقد؟
ج: إذا كان قد وطئ، أما مجرد العقد فلا، لا يكفي حتى يطأ.
س: المُحارب إذا قتل وشوَّه هل يُفْعَل به مثلما فعل؟
ج: نعم؟
س: المحارب إذا قتل ومثَّل بالمُقاتل، هل يُفْعَل به مثلما فعل؟
ج: هذا لولي الأمر: إن شاء قتله، وإن شاء قطع يده ورجله، وإن شاء صلبه، والتَّمثيل من جنس العمل، يُمَثَّل به كما مثَّل: الجروح قصاص، إن رأى وليُّ الأمر التَّمثيل مثَّل به، وإن رأى قتله قتله، وإن رأى صلبَه صلبه، وإن رأى قطع يده ورجله فعل، الرسول ﷺ لما رضَّ اليهوديُّ رأس الجارية رضَّ رأسه؛ لأنه قصاص.
س: إذا ما صحَّ الحسن، هذا حديث سمرة، يقتل العبدُ بالحرِّ؟
ج: لا، ما يُقتل، العبد فيه قيمة، مع التعزير، مع التأديب، يُؤدّب الحر، ولا يُقتل، وعليه الدِّية.
س: الزاني إذا كان غير محصنٍ، ثم زنا تارةً أخرى، هل يُعتبر حدُّه حدّ الرجم؟
ج: لا، لا يكون محصنًا إلا بالزوجة الشرعية إذا وطئها.
س: يقول: "لا يُقتل كافر الأصل لطلب إيمانه، بل لدفع شرٍّ"؟
ج: الشارع جعل ردَّته عقوبةً له لما ارتدَّ عن الإسلام؛ حتى لا يتساهل الناسُ في الخروج من الإسلام، ردعًا لهم عن الخروج من الإسلام، ما هو لمجرد دفع شرِّه، لكن ردعًا لغيره عن الخروج من الإسلام، وجزاء له على كفره وضلاله، وردعًا لغيره.
س: ويُقتل أيضًا الكافر الأصلي عفا الله عنك؟
ج: الكافر الأصلي لا يُقتل إلا في الحرب، أما إذا أسلم -جاء وأسلم- فالحمد لله، لكن إذا كانت بيننا وبينهم حربٌ يُقتل لدفع شرِّه، ولدعوة الناس إلى الإسلام؛ لأنَّ فيه مصلحتين: دفع شرِّ الكافر، ودعوة غيره للدخول في الإسلام.
س: هل للحاكم أن يحرق المُحارب؟
ج: لا يحرق، لا يُعذِّب بالنار إلا الله.
س: حديث عائشة ثابت؟
ج: ما راجعتُ أسانيده، ولكن يكفي عنه حديث العُرنيين، وحديث ابن مسعودٍ يكفي.
س: سمر العيون تعزير؟
ج: لا، سمر العيون ما هو بتعزيرٍ، قصاص؛ لأنهم فعلوه بالراعي، سمَّروا عينه فسمَّر أعينهم مثله.
س: هل يُحصن بالخلوة؟
ج: لا يثبت، لا بد من جماعٍ.
س: ..... لطلب إيمانهم، أم لدفع شرِّهم؟
ج: للأمرين جميعًا.
س: قول الأصحاب: "ومَن تاب منهم قبل القُدرة عليه سقطت عنه حقوقُ الله: من نفيٍ، وقطعٍ، وقتلٍ، وصلبٍ، وأُخِذَ بحقوق الآدميين: من نفسٍ، وطرفٍ، ومالٍ"؟
ج: هذا صحيحٌ، يسقط حقُّ الله، ويقع حقُّ المخلوقين، إن كان قتل يُقتصُّ منه، قطع يُقتصُّ منه، أخذ مالَه يأخذ منه المال، وهكذا.
س: مَن تاب من البنوك الربوية والعمل فيها يسأل عن الرواتب الماضية، ما الذي يعمل بها؟
ج: إذا كان جاهلًا فله ما سلف، وأمره إلى الله، مثلما قال الله: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ [البقرة:275]، نسأل الله العافية.
س: وإذا لم يكن جاهلًا؟
ج: الصدقة بها أحوط؛ لأنَّ الله قال: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة: 275]، شرط: مَن كان جاهلًا، ثم جاءته الموعظة فانتهى، ومَن عاد كان من أهل النار، نسأل الله العافية.
س: إذا كان قد سبق، يعني: التركة؟
ج: هذا الظاهر أن يتصدّق بها، أو يُصرف في وجوه البرِّ وأعمال الخير: كحفر آبار المسلمين، يصلح طرقات، يصلح حمامات، وأشباه ذلك مما يفعله المسلمون، إطلاق سجناء، وما أشبه ذلك.
س: مَن قال: يصلح بها حمامات، ولا يجعلها في مساجد؟
ج: لا، المساجد لا، إلا في وجوه الخير، المساجد أحوط لها أن لا تكون بها، لكن وجوه الخير كثيرة.
س: إذا كان القاتلُ والمقتولُ في غير بلاد مسلمةٍ؟
ج: ما عليهم شيء.
س: يعني: لمَن يرفع أمرهم؟
ج: إنما هذا لولي الأمر في بلادهم التي يستطيعها، الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].
س: يعني: إذا كانت اثنين ما يحتج؟
ج: لا، إذا ..... أمرهم إلى الله.
س: الردة يعمل من جهته؟
ج: يعمل أيش؟
س: يعني: يرتد بكلامه، يقول: إني جاهلٌ، ما أدري عن حكمها أنها تكفر؟
ج: هذا يرجع إلى ولاة الأمور، إلى ولي الأمر الذي يستتيبَه.
س: الحكمة في قتل المُرتد؟
ج: لأمرين: جزاء له على ما صنع، وعدم توبته، وردعًا لغيره.
س: فَلَهُ مَا سَلَفَ -أحسن الله إليك- معناها: المال الأصلي، أم المال كله الذي سبق؟
ج: الذي دخل عليه وهو جاهل.
س: كله؟
ج: إيه.
س: ليس أصل المال؟
ج: كل الذي دخل عليه وهو جاهل له ما سلف، وأمره إلى الله.
س: قوله ﷺ: لا يزال المؤمنُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا؟
ج: يُفيد الخطر العظيم، ما لم يُشرك بالله، أو يُصب دمًا حرامًا، يفيد الخطر العظيم في الدماء الخطيرة.
س: الفُسحة في الدِّين، ما المقصود بها؟
ج: يعني: رجاء التوبة، يتوب ويتوب الله عليه، وقد يعفو الله عنه إذا مات عليها ولم يتب، لكن الشرك ما فيه توبة ولا عفو، والقتل خطره عظيم، قد يعذب في النار ولا يتوب الله عليه ولا يعفو عنه، كما توعَّده الله بالنار إذا قتل بغير حقٍّ، توعده الله بالنار والخلود فيها، قد لا يُعفا عنه، قد يُعذَّب ولا يخرج من النار إلا بعد مدَّةٍ، وإن كان لا يخلد فيها الموحِّد، لكن القتل شأنه خطير، قد لا يُعفا عنه -نسأل الله العافية