في وديان جبلية وعرة في شمال باكستان يوجد قوم يعيشون بدون أي شكل من أشكال الحضارة، فلا كهرباء ولا وسائل إتصال أو مواصلات ولا أبنية أو شوارع ولا أطباء أو محلات تجارية... أنهم شعب الكلاشا
ليس لهم دين ولا وعاظ ولا يعرفون الأنبياء ولا الكتب السماوية ومع ذلك يخلو مجتمعهم الصغير من السرقة والجريمة والأنانية والحقد البشري وأطماع الهيمنة والتسلط.، النساء يختلطن بالرجال في حياة طبيعية وملابس النساء في غاية الاحتشام من دون حسيب أو رقيب
لا يعرفون السحر ولا الشعوذة ولا الدجل ولا الصراعات السياسية وبذلك فقد يكونون من أسعد البشر حالياً! والأدلة على ذلك سترد لاحقاً واهمها أن حياتهم في تلك الطبيعة الجميلة كلها فرح ورقص وغناء حتى في المآتم عند وفاة أحدهم
ينحدر شعب الكلاشا من أصل هندو-آري ويعدون القبيلة الوحيدة الباقية من هذا الأصل، منطقتهم في باكستان لكنها محاذية لأفغانستان وطاجكستان يتوزعون على ثلاثة وديان ضمن مقاطعة تعرف باسم تشيترال المجاورة لمنطقة في شمالي أفغانستان كانت تسمى كافرستان أي "أرض الكفار" وتعرف حالياً باسم نورستان منذ عام 1890 بعد أن أجبر حاكمها أمير عبد الرحمن جميع سكانها الى أعتناق الأسلام وإلا تعرضوا الى القتل نساء الكالاشا
تمتاز نساء الكالاش بالجمال الباهر والبشرة البيضاء والعيون الملونة، الى درجة يشيع لديهم الاعتقاد عبر اساطيرهم بأن المرأة نصفها حورية والنصف الآخر بشري، وليس لديهم فصل بين الجنسين وأهم ما في حياتهم أن المرآة هي من تختار زوجها ومن حقها أن تغيره بكل سهولة إذا لم تقتنع به. وقد استرعت هذه العادات والتقاليد الغريبة والبساطة الشديدة في نمط الحياة أهتمام الكثير من علماء الأنثروبولوجي بسبب الإختلاف في العادات والتقاليد وملامح الوجه عن المناطق المجاورة لهم لذا فقد شائع بأنهم ينحدرون من نسب أوربي يرجع الى جنود الإسكندر الكبير، إلا ان الفحوص الوراثية أثبتت عدم وجود علاقة بينهم وبين السلالة الأوربية وأنهم نشأؤوا وترعرعوا في المنطقة نفسها أي وادي الكلاش الدين عند الكالاشا
كان جميع شعب الكالاشا وثنيون في قيمهم الدينية وهناك أكثر من اله واحد يقدسونه ويشكرونه في طقوسهم وقد لاحظ حاكمهم (مختار) المدعو سيف الله جان في القرن العشرين بأن هناك تزايد لدى البعض لاعتناق الإسلام، فقرر نبذ أي فرد من الكالاشا في حالة تحوله الى الإسلام وعدم السماح له بالعيش معهم، ومع ذلك فإن مجتمع الكالاشا فيه اليوم وثنيين ومسلمين، ويدعون بأنهم لا يخشون من التأثيرات الخارجية بقدر ما يخشون التأثيرات الداخلية من بينهم ممن أعتنق الاسلام، إلا ان هذا الاعتقاد هو غير واقعي أذ سبق لرجال حركة طالبان أن أرسلت اليهم عدة تهديدات بضرورة إعتناق الإسلام وكانوا قد تعرضوا بالفعل الى عدة حملات قتل جماعية ادت بتعداد نفوسهم الى التناقص لحد 2000 شخص، إلا أن قرار من المحكة العليا في باكستان بحمايتهم كونهم أقلية ويحميها الدستور الباكستاني ولهم الحق في معتقداتهم قد أدى الى زيادة عدد النفوس مجدداً مجتمع الكالاشا
يصف رجال الكالاشا حياتهم بالبساطة الشديدة والاحتفالات السعيدة ويعلنون بصراحة أنهم غير مستعدون لتغيير نمط حياتهم وأن مجتمعهم البسيط يخلو من السرقة والغش والزنى، وان ما تفعله النسوة من أختيار للزوج هو علني أمام الجميع وبشفافية مطلقة
من العادات الغريبة لدى الكالاش أيضاً بأن على الفتاة أو المرأة أن تنتقل للعيش في كوخ خاص يعرف باسم (باشاليني) خلال الأيام التي تمر فيها في فترة الحيض أو عند النفاس أو الولادة باعتبارها غير طاهرة ، ولها أن تغادرها حال عودتها الى الحالة الطبيعية أو على حد تعبيرهم الى طهارتها
غالباً ما تتزوج الفتاة وهي صغيرة السن، وتقاليد الزواج سريعة وبسيطة، ومن الطبيعي أو تعاشر المرأة رجلاً ثانياً حتى وإن كانت متزوجة وقد تفر من زوجها لتعيش مع رجل آخر ويتم تسوية الخلافات في حالة نشوبها من خلال طرف وسيط ويتم تعويض الزوج بضعف ما دفعه مهراً لها، وكذلك من حق الزوجة أن تختار زوجاً جديداً لها، وبطريقة أكثر تعقلاً ، وفي هذه الحالة فإنها تبعث برسالة الى العريس المرتقب تعلمه فيها بمهرها من زوجها الاول (الحالي) وعلى العريس المرتقب في حالة الموافقة أن يدفع ضعف مهرها فيستلمه زوجها كي يتخلى عنها من دون معارضة أو مشاجرات، فللمرأة وحدها الحق في تقرير مصيرها، ومن الواضح مكانة المرأة لابد وأن تكون عزيزة ومكرمة إذا كان زوجها يحبها ولا يرغب في أن تتركه الأعياد وطقوسها
هناك ثلاثة أعياد يعيشها شعب الكالاشا أولها هو الاحتفال بقدوم الربيع ويتم في منتصف شهر مايو/آيار والثاني في الخريف والثالث في منتصف فصل الشتاء ويستغرق أسبوعين ويمثل إنتهاء موسم الزرع والحصاد ويتخلله الرقص والغناء ونحر الماعز لإقامة الولائم، ومن الاستعراضات الغريبة التي يقومون بها هو قيام النساء بلبس ملابس رجالية والعكس بالعكس في أثناء الرقص، كذلك أحتفال (بودالاك) ويعني "ملك الرعاة" ويتم هذا في الأحتفال الربيعي باختيار أحد الصبية (قبل مرحلة البلوغ) ممن يمتلك جسماً قوياً ويبعث مع ماعز ليعيش بمفرده في أعلى الجبل طيلة فترة الصيف ولا يشرب غير حليب الماعز ليصبح أكثر قوة، وعند عودته يسمح له خلال فترة 24 ساعة بممارسة الجنس مع أي إمرأة يختارها حتى وإن كانت فتاة باكر أو امرأة متزوجة، وتعتبر القبيلة أي طفل يلد في غضون تلك الساعات هو طفل مبارك، ويبدو أن هذه الاحتفالية قد توقفت في السنوات القليلة الماضية بعد ملاحظة ردود فعل سلبية ضدها في العالم بإعتبارها ممارسة مشينة تقاليد الوفاة
عند وفاة أحدهم فإن أهله وأقرباءه يرقصون حول جثته لمدة ثلاثة أيام وعليهم نحر ما يملكون من الماشية لإعداد الطعام وإطعام كل قادم للرقص معهم وليس لتعزيتهم، وبعد الأيام الثلاثة يضعون الشخص المتوفى في تابوت مفتوح أو يلقون جثته لتأكلها الطيور الجوارح
اللغة
يتحدثون لغتهم الخاصة بهم وتعرف باللغة الكالاشية وهي لغة لم تكن لها حروف معروفة لغاية القرن الماضي، ولهم طقوسهم وديانتهم الخاصة والتي تختلف كلياً عن الأقوام الأخرى التي تقطن المناطق المجاورة لهم، وتقاليدهم تعتبر تقاليد موغلة في القدم ومع ذلك يتمسكون بها ويحرصون على أداءها بحذافيرها، وأقرب القبائل اليهم انحدارا هم النورستانيين والذين تحول معظمهم الى الإسلام طوعاً أو تحت ضغوط ، ما عدا القلة القليلة منهم ملابسهم شديدة التلوين بالوان زاهية براقة ومزركشة بنقوش جميلة ومميزة تصنعها النسوة على مدى العام لكي يلبسنها في الاحتفالات ويزين صدورهن كم كبير من القلائد والأحجار والقواقع البحرية
مصادر العيش
شعب الكالاشا فقير يعتمد على الزراعة وتربية الحيوان للعيش، وقد أنخرط بعضهم في مدارس مؤخراً ولكن نسبة المتعلمين بينهم لم تتجاوز 25% والإناث في المدارس أكثر عدداً من الذكور الذين يضطرون لممارسة الزراعة منذ نعومة أظفارهم . عدد نفوس شعب الكالاش قدر رسمياً في عام 2009 بأنه 3554 فرداً فقط ولو أن هناك من يذكر 6000 كتعداد للنفوس. يحكمهم حاكم يعرف بالمختار وتلفظ الكلمة بنفس اللفظ بالعربية
الدكتور مثنى العمر
كوخ البالاشيني حيث تقضي فيه الفتيات فترة الحيض أو النفاس