هدي نبينا المصطفى ▪●عليه افضل الصلاه والتسليم قِسِمْ خاص للدّفاعْ عنْ صفْوة
و خيْر خلقِ الله الرّسول الكريمْ و سِيرَته و سيرة أصحابِهِ الكِرامْ و التّابعينْ
الحمد لله العليم الحكيم؛ ï´؟ يَصْطَفِي مِنَ المَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ï´¾ [الحج:75] نحمده على ما هدانا فلولاه ما اهتدينا، ونشكره على ما أعطانا؛ فكل خير هو مانحه ï´؟ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله ï´¾ [النحل:53].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحكمة الباهرة في أمره، وله الحجة البالغة على خلقه، ولو شاء لهداهم أجمعين، ولكنه ابتلاهم بالدين، فانقسموا إلى أهل جحود وأهل يقين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ اصطفاه الله تعالى على العالمين، وفضله على الخلق أجمعين، وحمله أثقال الوحي والدين، فبلغ البلاغ المبين، وأنار الطريق للسالكين، وحذر من سبل الغاوين، فمن تبِعه، هدي إلى صراط مستقيم، واستحق النعيم المقيم، ومن تنكب طريقه، كان من أصحاب الجحيم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعمروا قلوبكم بحبه ورجائه وخشيته، واعقدوها على الولاء له ولدينه، فوالوا أولياءه، وعادوا أعداءه، وأحبوا فيه، وأبغضوا فيه، فمن فعل ذلك وجد حلاوة الإيمان، وحظي بولاية الرحمن ï´؟ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغَالِبُونَ ï´¾ [المائدة:55-56].
أيها الناس، من توفيق الله تعالى للعبد أن يرزق إخوان صدق يبذلون النُّصح له، ويخلصون في معاملته، فيأنَس بهم في رخائه، ويعينونه في شدته، ويقفون معه في محنته، فلا يجد وحشة بهم، ولا يذوق خيانة منهم، وكلما علت منزلة الإنسان، وعظُمت مهمته، وكبُرت وظيفته، كان أشد حاجة إلى الصادقين الناصحين المخلصين.
والرسالة أعظم مهمة، وتبليغها أعلى وظيفة؛ لأنها من الله تعالى إلى البشر، يحملها إليهم واحد منهم، وللرسل أصفياء يصطفونهم، وأصحاب يشاركونهم بلاغهم، ويضحون بكل غال في سبيل دعوتهم، وكما في الرسالة اصطفاء، ففي أصحاب الرسل اصطفاء، وكما فضل الرسل على سائر البشر، فضل أصحابهم على سائر الأصحاب؛ قال ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه:"إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ"؛ رواه أحمد بسند حسن.
ولا ينكر هذه المقدمة المعقولة في الاصطفاء إلا من انحرف عن الجادة، بسبب الجهل أو الهوى، فظن أن أصحاب الرسل لا يكونون خيار الأمم، وجعلهم من شرار الناس، أولئك قوم ما عظموا الله تعالى، ولا وقَّروا رسله - عليهم السلام - ولم يعرفوا أقدار الناس، فظنوا أن الله تعالى يخذل أنبياءه، فيختار لهم خونة كذابين منافقين، وبئس ما ظنوا، وظنوا أن الرسل جهلة مغفلون حظِي بالقرب منهم والزُّلفى لديهم، مَن لا يستحقون، وزعموا أن خيار الناس بعد الرسل هم شرار الناس، فتوقير الصحابة - رضي الله عنهم - فيه تعظيم لله تعالى، وتعظيمه - جل وعلا - حق على الخلق، وتوقير للنبي - عليه الصلاة والسلام - وتوقيره حق على أُمته، ومن لم يوقر الصحابة، فقد بخَس النبي - عليه الصلاة والسلام - حقَّه.
لقد علم الله تعالى مقدار الصحابة - رضي الله عنهم - فحباهم منازلهم اللائقة بهم، ونظر في قلوبهم، فعلِم صلاحها وصدقها، وإخلاصها وطهارتها، فاختصَّهم بأفضل رُسله، وجعلهم أصحابه وأنصاره، وحملة دينه، ومُبلغي شريعته، وأول غرْسٍ للإيمان في هذه الأمة، فكل أنوار الوحي التي نهتدي بها إنما جاءت منهم - رضي الله عنهم - حملوها وبلغوها، وتحملوا المكاره في تبليغها، وهجروا الراحة لأجلنا، ولولاهم لما عرَفنا الله تعالى حق المعرفة، ولولاهم لما عرفنا نبيَّنا وديننا، ولولاهم لما عبدنا الله تعالى على بصيرة.
خاطبهم الله تعالى، فبيَّن امتلاء قلوبهم بالإيمان وكراهيتها للعصيان، وأنهم على طريق الرشد سائرون حتى لقُوا الله تعالى: ï´؟ وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ï´¾ [الحجرات:7].
وليست الشهادة بالإيمان فحسب، بل أكده بالإيمان الحق: ï´؟ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا ï´¾ [الأنفال:74]؛ أي: محققون لإيمانهم بأن عضدوه بالهجرة من دار الكفر، وإخوانهم آووهم ونصروهم، وأول من دخل في هذه الآية من هذه الأمة هم الصحابة من المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم.
وبيَّن - سبحانه - أنهم خير الناس: ï´؟ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ï´¾ [آل عمران:110] ، وكانوا هم المخاطبين بهذه الخيرية، فهم أولى الناس بها.
ونفى الله تعالى عنهم الكفر واستبعده منهم، ولم يستبعده من أحد غيرهم سوى الرُّسل - عليهم السلام - فقال - سبحانه -: ï´؟ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ الله وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ï´¾ [آل عمران:101].
فسحقًا لمن كفَّرهم أو فسَّقهم، أو طعَن فيهم بعد هذه الآية.
لقد علِم - سبحانه - ما فيه قلوبهم من الإيمان واليقين، فأثابهم عليه، ولا يعلم مكنون القلوب إلا هو - سبحانه -: ï´؟ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ï´¾ [الفتح:18].
وبسكينة الله تعالى ازدادوا إيمانًا ويقينًا: ï´؟ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ï´¾ [الفتح:4].
وكانوا هم المؤمنين المخبر عنهم في هذه الآية التي كانت في غزوة الحديبية.
وأخبر - سبحانه - استجابتهم لأمره حتى في الشدائد التي تميد بالقلوب: ï´؟ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ ï´¾ [آل عمران:172].
وأخبر عن زيادة إيمانهم بهذا الثبات: ï´؟ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ï´¾ [آل عمران:173].
لقد بيَّن - سبحانه - أنهم أنصار النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قلَّ النصير، وأنهم رُكنه وسنده حين تخلَّى القريب، وأنهم حُماته حين تسلَّط العدو: ï´؟ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالمُؤْمِنِينَ ï´¾ [الأنفال:62]، وقال - سبحانه - في وصفهم: ï´؟يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ الله وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ï´¾ [الحشر:8]، فأثبَت - سبحانه - صِدقهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونُصرتهم له.
وقوم هذا شأنهم، وتلك أوصافهم، وهذه أفعالهم، فلا بد أن يحظوا برضوان الله تعالى: ï´؟ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ï´¾ [التوبة:100]، وفي آية أخرى: ï´؟ لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ï´¾ [الفتح:18].
وعشرات الآيات، بل مئات الآيات في تزكية الصحابة - رضي الله عنهم - والقاعدة أن كل وصف في القرآن مدح به المؤمنون، فالصحابة أولى به، وكل صفات أثنى الله تعالى على من اتَّصف بها من المؤمنين، فالصحابة هم أول من اتَّصف بها، وكل فعل مدَح الله تعالى فاعله من هذه الأمة، فالصحابة أول من فعَله، فهم أولى بالمدح والثناء ممن بعدهم.
فمهما أنفق المنفقون من قناطير الذهب والفضة في سبل الخير، فلن يبلغوا نفقة صحابي واحد أنفق مُدَّ طعام أو نصف مُدٍّ، والمُد ثلاث حثيات باليدين، فيا لعظيم فضلهم عند الله تعالى وعند رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبعدًا لمن طعَن فيهم، أو أزرى بهم، أو حطَّ من قدرهم، أو وضع مكانتهم، فهو الوضيع ولا كرامة.
والصحابة أمان الأمة من البدع والضلال والأهواء، وظهور أهل النفاق، وعُلو أهل الكفر على المؤمنين؛ كما قال النبي: ((أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ))؛ رواه مسلم.
ووقع ذلك؛ فإن الفتن عظُمت واستشرت بعد موت الصحابة - رضي الله عنهم - وظهرت البدع وفشَت، ونجم النفاق وانتشر، وتسلَّط الكفار على المؤمنين، وقد كانوا أذِلة في عهد الصحابة - رضي الله عنهم - فعز الأمة في خلافة الصحابة ليس كعزها في خلافة غيرهم، واجتماعها في وقتهم ليس كاجتماعها بعدهم، وديانتها في قرنهم ليست كديانتها في القرون التي تلتهم، وقد قال المعصوم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)).
جعلنا الله تعالى من أحبابهم وأوليائهم، وحشرنا في زُمرتهم، وكبت أعداءهم، إنه سميع مجيب.