حالة
سلوكية تعاني منها فئة من المجتمع بشكل مباشر، تتسبب في اضطرابات نفسية تنعكس سلبًا على الفرد وتؤثر على أدائه واندماجه مع الناس.
هذه الحالة يطلق عليها مسمى (التنمر) وهي شكل من أشكال المضايقات التي يرتكبها المسيء الذي يمتلك قوة بدنية أو اجتماعية وهيمنة أكثر من الضحية، وأحياناً يشار إلى ضحية
التنمر بأنها هدف يمكن أن يصل إلى التحرش لفظيا أو جسديا أو نفسيا في بعض الأحيان، ويختار المتنمرون أشخاصا أكبر أو أصغر من حجمهم.
هذه الحالة انتشرت مؤخرًا في المدارس ومواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي بشكل كبير حتى أصبحت أشبه بالظاهرة.
المدرسة
وحول هذا السلوك يقول عبدالله الشمري: إنه يعاني بعض تصرفات ابنه البالغ من العمر 12 سنة، كحبه للانطوائية وشعوره بالخوف من أشخاص خارج دائرة الأسرة ومن بعض الأقارب والأقران.
ويقول عبدالله: التحق ابني بالتعليم الابتدائي وهو في كامل صحته النفسية، وكان يتمتع بالاندماج الاجتماعي والانطلاق في الكلام، حتى أنه كان يحب اللعب مع أقرانه دون تردد، وبعد مضي سنتين من التحاقه بالمدرسة لاحظت بعض التصرفات التي لم أعهدها مثل السرحان لفترة طويلة، وسوء التغذية، والانطوائية.
وبعد سؤال ابني اتضح لي أن السبب وراء كل ذلك هو تعرضه للعنف بشكل شبه يومي من قِبل أحد الطلاب في المدرسة، فتوجهت بعدها للمدرسة وتأكدت من المعلومة، وأن المشكلة تكمن في أن الطالب المعتدي يكبر ابني بثلاثة أعوام، وأنه يمارس العنف مع كثير من الطلاب بشكل مستمر، ولم أجد حلاً سوى نقل ابني لمدرسة أخرى، حيث وجد بها ارتياحًا واستعاد ثقته في نفسه من جديد.
انتشرت مؤخرًا في المدارس ومواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي بشكل كبير حتى أصبحت أشبه بالظاهرة
ضحية
والتنمر لا يستهدف صغار السن فقط، بل إن مستهدفيه من الجنسين وجميع الأعمار، وأغلب ما يتعرض له - بعد الطلاب - النساء، وهذا ما حصل لأم أحمد التي ذاقت الويلات من تعنيف واعتداء زوجها لها، حيث قالت: منذ أن تزوجت وأنا أتعرض للضرب والشتم بسبب ودون سبب، وأعيش حياة التهديد من زوجي، فهو عدواني الطبع، سريع الغضب، متقلب المزاج، وهذا ما جعلني ألجأ لتناول الأدوية النفسية هروبًا من الضغوط التي أراها كل يوم.
تشخيص
وفي السياق نفسه عرّف الاستشاري النفسي عبدالرزاق الحجي ظاهرة
التنمر أو ما يسمى الاستقواء بأنه اعتداء شخص ضد شخص آخر بشكل متكرر على نفس الضحية، بمعنى أن يأخذ صفات النمر (بالقوّة) ليستضعف المقابل، ومن ثم تبدأ المأساة لهذه الضحية.
وأضاف : من المعروف أن
التنمر أو الاستقواء تتنوع طرقه وتتعدد أساليبه، فمنها الظاهر ومنها العلاقاتي (الخفي) بين الأصحاب.
فمثلا يتمثل
التنمر الظاهر في اللفظي والجسمي والاجتماعي والمادي المعلن، ولهذا بعض المتنمرين يلجأ للاستقواء ضد الآخرين بشكل خفي، وهو غير ظاهر. كما ينتشر في الآونة الأخيرة من خلال الاستقواء الرقمي أو الفضائي الذي يتداوله الأشخاص في العالم الإلكتروني في الإنترنت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر، فيس بوك، أو الانستغرام، أو البلاك بيري) في الألفاظ والتهديد ..إلخ، هربًا من العقوبة، حيث أظهرت الدراسات الحديثة المؤشرات المرتفعة لانتشاره في الآونة الأخيرة.
ولهذا فإن الاستقواء لا يختص بالطلاب فقط، فقد ينشأ في الطفولة وبالذات في المرحلة المتوسطة، ومن ثم تكون الانطلاقة انتهاءً بالجريمة.
ويضيف الحجي: سؤالنا كيف تُعرف أعراض الاستقواء؟ والجواب : من الصعوبة بمكان أن تتضح أعراض
التنمر إذا كان الضحية لا يريد الإفصاح عما يمر به خوفًا من تطور هذا السلوك ضده أكثر.
لكن من الممكن من خلال ملاحظة التربوي شخصية النشء في كثير من الجماعات، وفي تفاصيل المعاملات، استقطاب الضحية لدراسة الحالة، وتطبيق فنياتها، ليتحدث الضحية عما يخوضه من معتركات الظلام التي يخوض غماره كل يوم، أو ربما تتم معرفته بالاستعانة بشخص قريب من الحدث، لأن
التنمر تطوراته ملحوظة وواضحة.
لكن النقطة الحرجة التي قد لا تخطر ببال المربين من الآباء هو بُعد الأب عن الابن، لذا أقول لكل ولي أمر : لقد تطورت أساليب الاستقواء، ولن تعلم عنها شيئًا إلا بأن يخبرك عنها ابنك، فلماذا تلجأ لتعنيفه ووصفه بنقص في الرجولة إذا أشعرك بما يمر به ؟؟
بل ستزيد أوجاعه وتجعل المتنمر به يقضي وقتًا ممتعًا في الاستقواء عليه باستمرار، وستجعل ابنك يضع الدفاعات تلو الدفاعات ولو كلفه الكثير كي لا تعلم أنت شيئًا.
فيجب علينا طمأنة أبنائنا وكسب ثقتهم وتقوية شخصيتهم، بل يجب على الضحية أن يرفع صوته في الشكوى من هذا المتنمر للجهات المعنية به سواء في المدرسة أو الجهات الأمنية خارج المدرسة، لأن هذا السلوك من خلال الممارسة لن ينتهي إلا بالبتر وقطعه، وإثبات الذات في المواجهة بشكل صحي وتربوي فاعل.