الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى البخاري (1) ، ومسلم (1907) عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى )
فأفاد هذا الحديث الجامع أنه لا بد من عمل ونية ، فالنية المجردة عن العمل لا تكفي ، والعمل المجرد عن النية لا يكفي ، حتى ينوي ويعمل .
ثانيا :
الأمور المباحة إذا وقعت من غير نية : لم يؤجر
عليها صاحبها ، وإنما تلتحق بالعبادات ، ويؤجر
عليها صاحبها إذا نوى بها القربة إلى الله تعالى .
وهذا هو ما يعنيه الفقهاء بقولهم : إن النية شرعت لتمييز العبادات عن العادات ، يعني : فيما يدخله أمور العبادات والمباحات ، ولتمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض ، فيميز المكلف بنيته : هل صلاته هذه نافلة أو فريضة ، وصدقته هذه: زكاة ماله، أو هي من باب النوافل ، وهلم جرا .
قال الشيخ تاج الدين السبكي رحمه الله :
" النية : لتمييز العبادات عن العادات ، ولتمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض.
فالأول: كالجلوس في المسجد، يتردد بين الجلوس للاعتكاف ، والجلوس للاستراحة، وكالوضوء والغسل يتردد بين التبرد والتنظيف والقربة فلولا النية لما تميزت العبادة عن غيرها ولا حصلت " انتهى من "الأشباه والنظائر" لابن السبكي (1/57) .
ويقول ابن رجب الحنبلي ، رحمه الله :
" النيةُ في كلام العُلماء تقعُ بمعنيين:
أحدهما: بمعنى تمييز العباداتِ بعضها عن بعضٍ، كتمييزِ صلاة الظُّهر مِنْ صلاةِ العصر مثلاً، وتمييزِ صيام رمضان من صيام غيرِه .
أو تمييز العباداتِ مِنَ العادات ، كتمييز الغُسلِ من الجَنَابةِ مِنْ غسل التَّبرُّد والتَّنظُّف، ونحو ذلك .
وهذه النيةُ هي التي تُوجَدُ كثيراً في كلامِ الفُقهاء في كتبهم.
والمعنى الثاني: بمعنى تمييزِ المقصودِ بالعمل، وهل هو لله وحده لا شريكَ له، أم غيره، أم الله وغيرُه ، وهذه النيّة هي التي يتكلَّمُ فيها العارفُونَ في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه، وهي التي تُوجَدُ كثيراً في كلام السَّلَفِ المتقدّمين".
انتهى من " جامع العلوم والحكم " (1/63) .
ثم قال :
" وأمَّا النِّيَّةُ بالمعنى الذي يذكره الفُقهاءُ ، وهو أنَّ تمييزَ العباداتِ من العاداتِ ، وتمييز العباداتِ بعضها مِنْ بعضٍ ، فإنَّ الإمساكَ عنِ الأكلِ والشُّربِ يقعُ تارةً حميةً ، وتارةً لعدمِ القُدرةِ على الأكل ، وتارةً تركاً للشَّهواتِ للهِ عز وجل ، فيحتاجُ في الصِّيامِ إلى نيَّةٍ ليتميَّزَ بذلك عَنْ تركِ الطَّعامِ على غير هذا الوجه.
وكذلك العباداتُ، كالصَّلاةِ والصِّيامِ ، منها فرضٌ ، ومنها نفلٌ .
والفرضُ يتنوَّعُ أنواعاً ، فإنَّ الصَّلواتِ المفروضاتِ خمسُ صلواتِ كلَّ يومٍ وليلةٍ ، والصَّومُ الواجبُ تارةً يكونُ صيامَ رمضان، وتارةً صيامَ كفارةٍ ، أو عن نذرٍ، ولا يتميَّزُ هذا كلُّه إلاَّ بالنِّيَّةِ، وكذلك الصدقةُ، تكونُ نفلاً، وتكونُ فرضاً، والفرضُ منه زكاةٌ، ومنه كفَّارةٌ ، ولا يتميَّزُ ذلكَ إلاَّ بالنِّيَّةِ ، فيدخلُ ذلك في عمومِ قوله صلى الله عليه وسلم: ( وإنَّما لكل امرىءٍ ما نَوى ) " انتهى من "جامع العلوم" (1/86) .
ثالثا :
إذا كانت الأعمال العادية ، والمباحات ، إنما تتحول إلى طاعة وقربة بالنية ؛ فإن من شرط النية في العبادات ، وما جرى مجراها : أن تقترن بأول العمل ، لأن النية قبل أوان الشروع في العمل ، هي عزم على عمل في المستقبل ، وقد ينفسخ العزم ، وقد تتخلف النية ، وقد يتخلف العمل ، فلا يثبت لشيء من ذلك حكم العبادة ، حتى يوقعها بقصد القربة إلى الله تعالى عند عملها .
فإذا خلا العمل عن هذه النية عند الشروع فيه : لم يصبح قربة ، وإنما هو من جملة المباحات والعادات ونحوها .
قال العز ابن عبد السلام رحمه الله :
" فصل: في وقت النية المشروطة في العبادة :
إذا كان الغرض بالنيات التمييز ، كما ذكرنا : وجب أن تقترن النية بأول العبادة ، ليقع أولها مُميَّزا ، ثم يبتنى عليه ما بعده .
إلا أن يشق مقارنتها إياها كما في نية الصوم، وقد اختلف في نية تقديم الزكاة، لما في التوكيل في إخراجها من مصلحة الإخلاص ، ودفع إخجال الفقير من باذلها .
فإن تأخرت النية عن أول العبادة : لم يجز ذلك ، إلا في صوم التطوع ؛ لأن ما مضى يقع مرددا بين العبادة والعادة، أو بين رتب العبادة .
وإن تقدمت النية : فإن استمرت [ يعني : إن بقي على ذكر لنيته ] إلى أن شرع في العبادة : أجزأه ما اقترن منها بالعبادة .
وإن انقطعت النية قبل الشروع في العبادة : لم تصح العبادة ؛ لترددها .
فإن قرُب انقطاعها : أجزأت عند بعض العلماء ، وفيه بعد ؛ لأنها إذا انقطعت : وقع ابتداء العبادة مُرَدَّدا ؛ فإن اكتفى بالنية السابقة ، فلا فرق بين بعيدها وقريبها ، لتحقق تردد ابتداء العبادة مع القرب والبعد " انتهى من "قواعد الأحكام" ـ الطبعة المحققة ـ (1/318).
وينظر : "الأشباه والنظائر" للسيوطي (24) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) الحديث، فهل يجوز للمسلم أن ينوي نيةً واحدة لجميع الأعمال التي يقوم بها في المستقبل؛ لأنه يصعب عليه إحضار النية عند كل عمل، أم أن لكل عمل نية مستقلة؟
فأجاب :
" كل عمل له نية، ولا يكفي النية العامة، الصلاة لها نية، والصوم له نية، وعيادة المريض لها نية، وهكذا كل شيء له نية، فلا بد من النية في أعمالك العبادية " انتهى من " موقع الشيخ ابن باز" .
http://www.binbaz.org.sa/node/9420
والحاصل :
أنه لا تكفي نية واحدة عن جميع أعماله العادية ونحوها ، بل لابد له في كل عمل من نية ، حتى تصح له على وجه القربة .
والله تعالى أعلم .
Y`h k,n kdm [hlum K ig dehf ugdih ,Yk gl d;k r] tug lh k,hi fu]E ? juda ]hlum pfhj d;k ugdih tug Y`h kpf ,i, k,hi