العطاء مبني على التعاطف
حرصت أن اترجم تلك المقولة واغوص بمضمونها قليلًا
بمخيلتي وافتراض شخصيات تحاول أن ترسم المقولة قدر المستطاع
ذات يوم تم تعيين أميرة بالمستشفى التخصصي كممرضة متخصصة وهي جديرة
بماتعنيه الكلمة، ذو ثقة بذاتها وذو علم وتمكن بتخصصها، عندما وقعت في اليوم
الأول لها وأدركت أن خط السير قد تغير بالنسبة لها، وقد تخوض معارك مع المرضى
واقاربهم أو مع صديقاتها بالعمل، مضى الشهر الأول لها، وقد نجحت بأن تصبح الموظفة
المتميزة لهذا الشهر، قفزة نوعية لديها منذ البدايات ولفت انتباه قد لا تريده الآن ربما، أحترمها
لعملها جعل الآخرين يغارون منها حتى الأطباء، نعم حتى الأطباء، قدم رائد الطبيب المقيم إلى
القسم الذي تعمل به أميرة أكثر من مرة أثاره هدوئها واتقانها بالعمل الموكل لها ، بعد مضي
أربعة أشهر حدث أمر غيّر مسار حياتها بقوة، كان تقوم برعاية إمرأة كبيرة ذات التسعون
عاما، شعرت أميرة أن تلك المسنة بداخلها حياة وأنها استطاعت أن تلتقط منها الكثير خلال
الفترة القصيرة التي بقيت في خدمتها، المسنة بالطبع بادلت أميرة نفس الشعور ودعواتها
اليومية تنير روح أميرة وتحفزها وتعطيها الطاقة الكافية على ماتمتلكه، تغّيبت أميرة لمدة
ثلاثة أيام لكي تنجز التقديم على الابتعاث لتكمل مسيرتها العلمية وبعد عودتها كما هو المعتاد
أن تمر على المسنة كل صباح وتتطمن عليها، فتحت الباب والشوق يغمرها وطريقة المزج
بالتعامل مع تلك المسنة باعذب الأساليب لكي تكسر عنها فكرة المرض، ثم قالت صباح الخير
يا جدة، وإذ بالغرفة خالية تمامًا، صعقة وشعرت بأن الأرض تدور بها، تسألت أين ذهبت؟
هل سُمح لها بالخروج من المستشفى مع العلم ان مرضها يحتاج أشهر؟
عادت إلى مكتبها وسألت صديقتها نوال، اين ذهبت الجدة رحمة، قالت نوال رحلت ، قالت أميرة
إلى أين، أجابت إلى بارئها، لم تكن تعي نوال مساحة الفاجعة على أميرة لأنها كانت تعمل بقسم
آخر وهذا يومها الخامس بهذا القسم ، ولم تعرف القصة الكبيرة بين أميرة والجدة رحمه، صرخت
أميرة بقوة لا لا لا لا لا، مما جعل صراخها يصل لأغلب ممن تواجد بداخل القسم، ثم فقدت الوعي،
وتم إسعافها وتوجب أن يتم تنويمها لمدة يومين على الأقل، كان رائد يبحث عنها بالقسم ولم يجدها
فسأل احد الممرضات الموجودة بالاستقبال، أين أميرة لم اشاهدها من يومين تقريبا، فقالت انها
بالغرفة رقم 7 سرير 4، استغرب ذلك، ماذا حصل لها، قالت إنها تعاني من صدمة عصبية، قال
هل استطيع قراءة ملفها، قالت بالطبع وتوجهت لجلبه للطبيب، وعندما تصفح الملف أدرك أنه
لابد أن تتعامل معها بشكل مختلف لإيقاف نزيف الصدمة، ووجد أن فكرة العطاء والمساعدة لها
أفضل طريقة لها، أخبر الممرضات بخطته وقال هي صديقة الكل ولابد أن نجد الحل لها بأسرع
وقت لكي تعود وتواصل نشاطها، واستمعو للتوجيه من الطبيب رائد، وهي أن يحاولون التعامل
معها كما تعاملت هي مع الجدة رحمة وبذات الطريقة وسأل من منكم يعرف طريقتها، أجابت
هديل وقالت ذات يوم كنت برفقتها عندما قامت برعاية الجدة رحمة، واخبرتهم بأدق الأمور،
كانت هديل المّوجه الثاني بعد الطبيب رائد، وانطلقت الفكرة، كان رائد لايريد الاقتراب منها لكي
لا تشعر بأي انزعاج، كان يسمع اليوميات من صديقتها ويقولون له كل شيء بشكل دقيق، بدأت
في التحسن وأثارت طريقة صديقتها معها بالإيجابية، الحيرة المطلقة التي عانت منها هي أن باقة
ورد يومية تأتي إليها بأشكال مختلفة وكل يوم لون مختلف دون تدوين اي شيء عليها، جعلها
تستغرب وتفكر من صاحب هذه الورود التي يبعثها لي كل يوم دون توقف أو تأخير بذات الوقت
الساعه 9 مساءٍ، أخبرت هديل الطبيب رائد أن أميرة لديها استغراب من تلك الورود اليومية
وماهي القصة ورائها، طبعا الممرضات لا يعلمون من يقوم بذلك، اختار الطبيب رائد بعد مضي
اسبوع على تحسنها أن يذهب لزيارتها ولكن بطريقة رسمية أكثر، يقول ان احد الاستشاريين بعثني
لكي اتطمن عليك، فطرق الباب عليها واستاذن الدخول، ثم أقبل عليها وقال مساء الخير كيفك اليوم،
قالت الحمد لله أفضل بكثير، قال لها هل تشعرين بألم قالت لا، قال لها وجهك شاحب لا تنامين قالت
للاسف أشعر بأرق، قال لاعليك سأكتب لك دواء يعالج لك هذه المشكلة، قالت شكرا لك، ثم انصرف،
شعر بأنه هو سبب ذلك الشحوب، ولابد أن يجد الوسيلة المناسبة لعلاجها، التفكير بهذا الأمر
اخذ منه وقتاً طويلاً
لأنه لا يريد أي خطأ بإيصال المضمون الحقيقي ومدى تقبلها لها كل يوم يخلق فكرة جديدة
ويدفنها بقي على هذا الحال مدة اسبوعين، فوجد الحل الوحيد وهو، أن يخبرها بعدما يجد
النقل له خارج للمستشفى لكي لا تكون ردة فعلا لا يعلم بها، وقف على إجراءات نقله وبدأ
يبحث عن أشخاص لكي يساعدناه على ذلك بوقت قصير
بالفعل حصل على مايريد، وتم نقله من المستشفى وحرص التريث في أخبارها، مضى شهرين
تقريبا وعادت أميرة لعملها وهي في تحسن مستمر وأوكل لها العمل الإداري لفترة محدودة حتى
تشعر بعودتها على الاندماج بعملها كما كانت بالسابق، ومع ذلك لم تنقطع باقات الورد ابدا حتى
بعد خروجها من التنويم ولكن هذه المرة بطريقة مختلفة تجدها على مكتبها كل صباح وبها كلمات
تحفيزيه، اعتادت على ذلك الأمر وكانت تشعر بسعادة غامرة من هذا الاهتمام الصامت، قرر الطبيب
رائد إيقاف إرساله لتلك الورود لمدة معينة، لكي يحاول أن يجعلها تفتقد ذلك، اليوم الأول تأتي ولم تجد
أي هدية، اليوم الثاني والثالث والرابع والخامس، شعرت بخيبة امل. ذهب إليها الطبيب رائد للمستشفى
لينجز بعض أمور له لازالت عالقة وتوجه إليها بحكم انها مسؤولة عن مايبحث عنه، وجدها تائهة
والحزن ارتسم بعينها، أنجز مايريد ورحل، والذنب يأكل بداخله مالذي فعلته بها؟ لابد أن أخبرها ؟
بأسرع وقت؟ وجد أن يعاود الإرسال لها لمدة محددة ومن ثم يكتب لها كلمات افتتاحية لما يريد أن يقوله،
بالفعل عمل على ذلك وعادت والسعادة تغير نمط حياتها وقال، بأحدى رسائله ماتفعله للآخرين بحب
وجمال سيعود إليك أكثر من ذلك، وفي الرسالة الأخيرة أراد إنهاء تلك التساؤلات وكتب يقول بها،
العطاء مبني على التعاطف
الطبيب رائد.
عندما قرائتها ابتسمت وحارت الدموع بعينها وفهمت القصة بأكملها، أن ماتقدمه للآخرين
حقيقي يعاد إليك بطرق مختلفة وربما يكون علاج مساعد لما تعاني منه بشكل جذاب ورائع،
سعدت كثيرا ولم تنزعج من الطبيب رائد لأنه تعامل برقي كبير، اليوم التالي ارسل رسالة
خاصة يقول بها، ايقظت الحياة بداخلي كنت أحاول أن أعيد لك حياتك بأي شكل، ومع تفاعلي
مع ماافعل وجدت أنني مغرم بك يوم بعد يوم لم أدرك ذلك إلا متأخر بكل اختصار
احبك وأريد الزواج منك رائد
لم تستغرب ذلك فهي اغرمت به وهي لا تعرف شخصيته وكان علاجه
حقيقي فريد من نوعه كبر واصبح زواجًا كاملاً بلا انكارات !